وما مواطن حاجة العبد إليها؟ وما عواصم النية من الانحراف؟
أما النية: لغة: القصد والإرادة، وقد جاء في كتاب الله بلفظ الإرادة والابتغاء قال تعالى: وما ينفقون إلا ابتغاء وجه الله ، وقال تعالى: يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه .
وحديث النية: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى))
والنية موطنها القلب، لذا كان القلب هو موضوع نظر الجبار سبحانه للحديث:
((إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))
والعبد يؤجر على النية الصالحة ويأثم على النية الفاسدة السيئة للحديث: ((إنما الدنيا لأربعة نفر: رجل آتاه الله عز وجل علما وما لا فهو يعمل بعلمه في ماله فيقول رجل: لو آتاني الله تعالى مثل ما آتاه لعملت كما يعمل فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يتخبط بجهله في ماله فيقول رجل: لو آتاني الله مثل ما آتاه عملت كما يعمل فهما في الوزر سواء))
وأما عواصم النية من الانحراف:
الدعاء: يقول أبو موسى الأشعري: خطبنا رسول الله ذات يوم فقال: ((يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل: قالوا: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل؟ قال: قولوا اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه)).
النية تمثل المحرك الخفى الذى تصدر عنه الافعال , وهى بهذا تلعب دور الحافز الحقيقى الذى يدفع الانسان
للقيام بالفعل كما ان تحقق (موضوع النية) يعتبر العائد النهائى .
فالنية تبدأ برغبة فى بتحقق حالة معينة فى الواقع غير محققة فى تلك اللحظة ثم تتجمع الارادة وتتجه نحو
جعل تلك الحالة ممكنة ويظل الانسان فى حالة توتر حتى تتنفذ تلك الرغبة .
وليظل حماس الانسان متقدا وهو يضع النية الطيبة لكل ما يقوم به من عمل ابتداءا من عباداته التى يجب ان يخلص فيها العمل لله سبحانه وتعالى وانتهاءا بعاداته التى عليه ان يربطها بنوايا وغايات صالحة لتتحول
الى عبادات فإنه لا بد من ان تكون له حوافز قوية تدفعه الى ذلك وتدعوه الى المحافظة عليه وأن يجعل الشخص الحوافز المذكورة فى ورده اليومى لترسخ فى القلب .
الحافز الاول:
ان الله يعلم نيتك فى قلبك فأحرص ان لا يرى فى قلبك خيرا . يقول الله تعالى فى {قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}آل عمران 29
الحافز الثانى :
النية الخيرة الحسنة ينال بها الاجر وان حالت الظروف دون اداء العمل المطلوب لتحققها , (عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصارى رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاةٍ فقال: "إن بالمدينة لرجالاً ماسرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم المرض" وفى رواية: "إلا شاركوكم في الأجر" ((رواه مسلم)).
الحافز الثالث :
النية الطيبة تفرج الكرب وتكفى الهم , (عن ابى عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم. قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً. الخ الحديث )
صدق النية يقود لتحقيقها:
حقائق الواقع واحداث الحياة تؤكد ان الحاح النية فى نفس الانسان وتعمقها فى قلبه يلعبان دور السحر فى
تنفيذها خاصة إذا كان موضوع النية الحق والخير .
فإن صدق النية وصلاحها يعظم العمل الصغير ويصيّره كبيراً كثير الأجر، في حين يذهب فسادُها وعدمُ الصدق والإخلاص فيها بالكثير من العمل والشاق منه، فتصيره صغيراً قليلاً، وربما ضيعته تماما بسبب ما قد يصاحبه من رياء أو عُجْبٍ . وفي ذلك يقول عبد اللّه بن المبارك رحمه اللّه: "رُبَّ عملٍ صغير تكثِّره النية، ورُبَّ عمل كثير تصغِّره النية "
فمن صدق في نيته، وأخلص فيها للّه، عَلَتْ درجته، وزاد ثوابه، وعظمُ أجره، وارتفعت منزلته، والعكس صحيح تماما.
صدق النية يقود إلى تحقيقها من المواضيع الملحة في زمن اختلفت فيه النوايا وضاع ثوابها
ولاشك أن الصدق في كل شئ يقودك إلى تحقيق هدفك.
عوامل تحقق النية
يمكن تصنيف النية على اساس الجهة الحاسمة فى تحقيقها الى :
نية عوامل تحقيقها داخلية , داخل ذات الانسان نفسه مثل ما يعتقده الانسان ومايؤمن به وما يحبه وما
يكرهه , فلا يستطيع شخص كائنا من كان ان يدخل فى قلب انسان ويغير ايمانه بديانة معينة او اعتقاده
فى حقيقة ما او حبه لشخص او كراهيته له .
ففى القرآن الكريم نجد الحديث عن الصحابى الجليل الذى أكره من قبل المشركين لكى يقول كلمة الكفر
مع انعقاد قلبه على الايمان بقوله تعالى {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }النحل106
وفى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه
فمن لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان ). فنية تغيير المنكر بالقلب ليس هناك عذرعن للقيام بها
لأن عامل تحقيقها داخل الانسان نفسه وليس خارجه .