حكم صيام شهر رمضان وبيان فضله وشروطه وقضائه
|
أ.د. حسن عبد الغني أبوغدة
حكم صيام رمضان وبيان فضله: صومُ شـهر رمضان أحدُ أركان الإسلام وفرضٌ من فروضِه العينية؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. البقرة/ 183. وللحديث المتفق عليه: ( بُني الإسلام على خمس: شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامِ الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت ).
أما فضله: فيبيَّنه الحديث القدسي: (كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يَدَعُ شهوتَه وطعامَه من أجلي). متفق عليه.
حكم تارك صيام رمضان: تارك صوم رمضان إما أن يتركه استخفافاً به وإنكاراً لفرضيته، وإما أن يتركه تساهلاً وتهاوناً، فإن تركه استخفافا وإنكاراً فهو كافر مرتد عن الإسلام بإجماع العلماء؛ لإنكاره ما هو معلوم من الدين بالضرورة، فيُحْبَس للاستتابة وإزالة شبهته، فإن رجع عن ذلك عاد إلى الإسلام، وإن أصرَّ يقتُلُه الحاكم بحدِّ الردة؛ لحديث الشيخين: ( لا يحلُّ دمُ امرئ مسلم إلاَّ بإحدى ثلاث: الثيِّب الزاني، والنفس بالنفس، والمارق من الدين المفارق للجماعة ).
وان ترك صيام شهر رمضان تساهلاً وتهاوناً مع الاعتقاد بفرضيته، عاقبه الحاكم تعزيراً بما يزجره ويردعه، سواء بالحبس، أو بالضرب، أو بغيره...
شروط صيام شهر رمضان: يجب صيام شهر رمضان بشروط هي:
1ـ الإسلام: لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ...} البقرة/ 183.
2ـ البلوغ: لحديث: (رُفـعَ القلمُ عن ثلاث: ... وعن الصبي حتى يحتلم ). رواه أحمد وأبو داوود والنسائي وابن ماجه والدارقطني والحاكم وصححه، وصححه النووي. ولأنَّ الصبي ليس من أهل القدرة التامة, لكنْ يستحب لولِيِّه أن يأمره بصوم رمضان ويُشجِّعه عليه ليعتاده فيسهل عليه بعدئذ، روى الشيخان أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصوِّمون صبيانهم الصغار يوم عاشوراء لـمَّا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بصيامه، فكانوا إذا بكى الصبي يريد الطعام، أعطَوْه الُّلعبة من العِهْن؛ لتُلْهيه حتى يُتِمَّ صومه.
3ـ العقل: فلا يجب الصيام على المجنون؛ لحديث: ( رُفع القلم...) الآنف، ولأنه ليس موضعاً للتكليف لفقده القدرة على ضبط تصرفاته.
4ـ الاستطاعة: ومعناها: القدرة على الصوم من غير مشقة غير معتادة تلحق بالصائم، أو ضرر يزيد في مرضه أو يؤخر شفاءه منه، فلا يجب الصوم إذا شَقَّ على الشيخ، والمريـض، والمضطر للعلاج والـدواء في نهار رمضان، والحامل، والمُرضِع، والمريـض بالسُّـكر والكُلَى، ونحـو هـؤلاء ممَّن يشـق عليه الصـوم، أو يضرُّ بهم، أو يؤخِّر شـفاءهم. والأصـل في هـذا قوله تعـالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ }. البقـرة/286. وقوله أيضاً: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين}. البقرة/ 184. وقوله سبحانه: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }. البقرة/ 185. فإذا أفطر هؤلاء قضَوْا أو أطْعمُوا بحسب ما يأتي بيانه لاحقاً.
5ـ الإقامة: لا يجب الصوم على المسافر الذي عـزَم على أن يتجـاوز حـوالي ( 80 ) كم فأكثر، سواء كان في سفره مشقة أو لا، ولـو كان السفر في طائـرة ـ مدة رحلتها نصف ساعة مثلاً ـ أو باخرة، أو سـيارة، لقوله تعالى: {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. البقرة/ 185. لكنه لا يفطر حتى يترك بيوت البلد وراء ظهره؛ لأنه لا يسمى مسافراً مادام في البلد ولم يغادرها، فإن بقي صائماً بعد مغادرة البلد فلا بأس وهو الأفضل عند الجمهور، خلافاً للحنابلة، وإن غادر صائماً وأراد الفطـر حال سفره جاز له ذلك عند غير الحنفية؛ لما رواه مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرب قدحاً من ماء في كراع الغمام حال سفره. واستدل الحنفية بالآية: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} . سورة محمد/33. والمختار ما ذهب إليه الجمهور لدليلهم الخاص.
ولا يجب الصوم على من كان صاحبَ سفر متكرِّر، كقائدِ الطائرة وبقيةِ الملاحين والمضيفين، وسائقي القطار والحافلة والسيارة والشاحنة؛ لأن هؤلاء مسافرون عرفاً، ولو سُئلتْ عنهم عائلاتهم لقالوا: إنهم مسافرون، فإذا رجعوا إلى بلدانهم وأهليهم قضَوْا ما أفطروه، ولو في أيام الشتاء القصيرة؛ لقوله تعالى: {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} . البقرة/ 185.
6ـ الطهارة من الحيض والنفاس: يحرم الصوم على الحائض والنفساء، ولا يصح منهما، ولو وَجَدا الدم في آخـر النهار، وتقضيان ما أفطرتاه بإجماع الفقهاء؛ لحديث عائشـة رضي الله عنها: ( كانت إحدانا تحيض على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فنُؤمَر بقضاء الصوم، ولا نُؤمر بقضاء الصلاة ). متفق عليه. ويجوز القضاء متفرقاً أو متتابعاً، والتتابعُ أفضلُ لما فيه من المسـارعة إلى إسقاط الفرض؛ فإن انقطع حيض المرأة من الليل ولو قبيل الفجر بقليل، ونوت الصيام صح ذلك، ولو اغتسلت بعد الفجر.
أما إذا أصاب المرأةَ دمُ نَزْفٍ، أو " استحاضةِ " كما يُطلَق عليه في الشرع ـ وهو غير دم الحيض والنفاس ـ فلا يمنعُها من أن تصوم، فإن كانت صائمة أتَمَّت صومَها؛ لأن الذي ورد به الشرع تحريمُ الصوم على الحائض والنفساء، والمستحاضة ليست واحدة منهما. ولا يمنع النـزْف الصلاة والجماع أيضاً، وتقدم بيان هذا في أحكام الاستحاضة.
وذكر العلماء: أنه يجوز للمرأة استعمال أدوية مأمونة تؤخر الحيض، أو توقف دم النفاس؛ لتؤدي صيام رمضان في وقته، وتحظى ببركة هذا الشهر العظيم.
7ـ النية في الصوم: لا يصح صيام شهر رمضان ولا غيره من الصيام الواجب كالقضاء، والنذر، والكفارة، إلا بتبييت النية في الليل، ولو قبيل طلوع الفجر، وذلك بأن يستحضر الإنسان في نفسه أنه سيصوم يومَ غدٍ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( من لم يُجمِّع النية، فلا صيام له ). وفي رواية: ( من لم يبيِّت النية ) رواه أبو داوود والنسائي والترمذي والحاكم وصححه. وقال الحنفية: يجوز تأخير نية صوم رمضان إلى الضحوة الكبرى، وأوَّلُوا هذا الحديث بنفْيِ الفضيلة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها الذي يُذكر لاحقاً في صوم التطوع. وهل يبيِّت النيةَ لكل يوم، أو تكْفيه النية في أول شهر رمضان لجميع رمضان؟ قولان للفقهاء: فمن قال: ينوي صومَ كلِّ يوم وحدَه، اعتبر صوم كلِّ يوم عبادة مستقلة منفردة، ومن قال: ينوي صوم الشهر جميعه، اعتبر صوم الشهر كله عبادة واحدة. ولعل الثاني أيسر على الناس.
أما صوم التطوع كالاثنين والخميس، فيجب فيه تبييت النية كالفرض عند المالكيـة؛ للحديث الآنف: ( من لم يُجمِّع النية، فلا صيـام له ). ولحديث الشيخين: ( إنما الأعمال بالنيات). وقال الحنفية: تصح النية لصوم التطوع في النهار إلى ما قبل الزوال بوقت يسير، أي: بحوالي نصف ساعة قبل دخول وقت الظهر؛ لما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال: ( هل عندكم شيءٌ ؟). قلنا: لا. قال: ( إني صائم ). وأضافوا القول: إن النية وُجدت قبل نصف النهار وزوال الشمس. وقال الحنابلة: يصح صوم النفل ولو نواه بعد الزوال بوقت يسير؛ لما ثبت عن معاذ وابن مسعود وحذيفة رضي الله عنهم، ولأن النية وجدت في جزء من النهار، فأشبه وجودها قبل الزوال بلحظة. وللشافعية قولان أصحهما كما قال الحنفية. ولا شك أن فيما ذهب غير المالكية توسعة على المسلم للاستزادة من صيام النوافل، فضلاً عن أن هذا يتوافق إجمالاً مع حديث عائشة رضي الله عنها المخصِّص لما اسـتدل به المالكية.
قضاء الصوم وكيفية الإطعام حال العجز عنه: إذا أفطر المريض أو المسافر، وجب عليه القضاء متفرِّقاً أو متتابعاً، والتتابع أفضل مسارعة إلى إسـقاط الفرض، وله أن يصوم ولو في الأيام القصيرة الباردة شتاء؛ لقوله تعالى: {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. البقرة/ 185.
ومثل ذلك الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفاً على أنفسهما فعليهما القضاء فقط، فإن أفطرتا خوفاً على ولديهما فعليهما قضاء ما أفطرتا، وإطعامُ مسكينٍ عن كل يوم عند الحنابلة وآخرين؛ لآثار رويت عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ ويرى الحنفية وآخرون: أن الحامل والمرضع ليس عليهما إلا القضاء، ولو أفطرتا خوفاً على ولديهما، وهو الأولى قياساً على المسافر والمريض.
ولا ينبغي تأخير قضاء الصيام عن رمضان القادم لغير عذر، فإن أخَّره لغير عذر قضى وأطعم عن كل يوم مسكيناً، وهذا مذهب الفقهاء سوى الحنفية، وهو المروي عن ابن عباس وابن عمر وآخرين من الصحابة رضي الله عنهم.
وإذا أفطر الشـيخ الكبير الذي يشـق عليه قضاء الصوم أطعم عن كل يوم مسـكيناً للآيـة: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين}. البقرة/184. ومثلُ الشيخ كلُّ صاحب مرض مزْمِن يشق معه الصوم، كمريض السكر، والكلى.
وكيفية الإطعام حال العجز عن الصوم: أن يصنع المكلف طعاماً كما يصنع لأهله، ويدعو إليه المساكين، أو يفرقه عليهم مطبوخاً، أو غير مطبوخ إن شق عليه، كحنطة، أو أرز، أو غيرهما، ويجعل معه إداماً.
* أستاذ الفقه الإسلامي والسياسة الشرعية بجامعة الملك سعود