* من ساهم في عتق رقبة فله من الأجر بقدر مساهمته فيها .
السؤال:
شخص ساهم في عتق رقبة بدفع بعض من مال الدية ، فهل يأخذ أجر من أعتق رقبة ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
عتق الرقبة من العمل الصالح إذا ابتغي به وجه الله ، ومن أعتق رقبة مسلمة أعتقه الله من النار ؛ فروى البخاري (6715) ومسلم (1509) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْ النَّارِ ، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ ) .
وروى أحمد (15417) عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَعَانَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ غَارِمًا فِي عُسْرَتِهِ أَوْ مُكَاتَبًا فِي رَقَبَتِهِ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ ) .
حسنه الحافظ ابن عساكر في "معجمه" (606) والدمياطي في "المتجر الرابح" (ص163) وابن حجر في "الأمالي المطلقة" (ص105) وصححه السيوطي في "الجامع الصغير" (2/315) وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4555) .
وهو مما يدل على أن الإعانة على عتق الرقبة من أعمال البر الصالحة .
والمُكاتَبُ : العَبْدُ يُكاتَبُ على نَفْسه بثمنه فإِذا سَعَى وأَدَّاهُ عَتَقَ .
والكِتابةُ : أَن يُكاتِبَ الرجلُ عبدَه على مالٍ يُؤَدِّيه إِليه مُقسّطا فإِذا أَدَّاه صار حُرّاً . وسميت كتابةً ؛ لأَنه يَكْتُبُ على نفسه لمولاه ثَمَنه ويَكْتُبُ مولاه له عليه العِتْقَ ، والعبدُ مُكاتَبٌ ؛ لأَن أَصلَ المُكاتَبة من المَوْلى وهو الذي يُكاتِبُ عبده ، ويقال : كاتَبْتُ العبدَ : أَعْطاني ثَمَنَه على أَن أُعْتِقَه .
راجع : "النهاية" (4/253) - "لسان العرب" (1 /698) .
فمن أعان على عتق رقبة فقد أعان على عمل صالح ، وله من الأجر بقدر إعانته عليه ، فمن أعان على عتقه بثلث ثمنه فله أجر عتق الثلث ، ومن أعان على عتقه بربع ثمنه فله أجر الربع ، وهكذا .
وقد قال الله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة/ 2 .
قال ابن باز رحمه الله :
" التعاون على البر والتقوى هو تعاون على تحقيق ما أمر الله به ورسوله قولا وعملا وعقيدة ، وعلى ترك ما حرم الله ورسوله قولا وعملا وعقيدة ... وعلى حسب صدق العبد في ذلك وإخلاصه يكون حظه من هذا الربح , وعلى حسب تساهله في ذلك يكون نصيبه من الخسران , فالكل بالكل والحصة بالحصة , فمن لم يقم بهذه الأمور الأربعة علما وعملا فاته الخير كله ونزل به الخسران كله , ومن فاته شيء من ذلك ناله من الخسران بقدر ما فاته من تحقيق هذه الأمور الأربعة " .
انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (5 /88) .
فلكل من أعان على فعل البر والتقوى من الأجر بقدر إعانته عليه ، وإنما يكتب الأجر كله لمن أعتق الرقبة كلها .
ولكن من أراد أن يعتق رقبة فلم يقدر ، وقدر على المساهمة بالنصف ، وعلم الله من نيته أنه لو قدر على الكل لدفعه : فمثل هذا يُرجى له أجر الرقبة كلها .
وقد روى البخاري (4423) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ : ( إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ ) قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ ؟ قَالَ : ( وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ ) " .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" من نوى الخير وعمل منه مقدوره وعجز عن إكماله كان له أجر عامل " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (22 /243) .
ثانيا :
المساهمة في دفع الدية له أجر وفضل ؛ لأنه من التعاون على البر والتقوى ، لكنه ليس مثل أجر عتق الرقبة ، فهذا شيء ، وعتق الرقبة من الرق شيء آخر .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة عن القبيلة تجتمع على أن يدفع كل فرد من أفرادها مبلغا معينا من المال سنويا يرصدونه لما قد يحدث من كوارث الديات ، بغرض التعاون بين أفراد هذه القبيلة ؟ فأجابت اللجنة :
" اتفاق رجال القبيلة على ما ذكر يعتبر عملا خيريا لما فيه من التعاون على أداء الواجب " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (9 /459) .
وقال د. سعد الحميد حفظه الله :
" المساهمة في دفع دية المقتول ليس مثل أجر عتق الرقبة ، ولكن لا شك أن الأمر فيه فضل كبير، وفضل الله واسع " انتهى .
والله تعالى أعلم .