خطبة : نعمة الأمن وكيف نحافظ عليها ؟
الشيخ/ محمد بن إبراهيم السبر*
الحمد لله الولي الحميد أمر بالشكر ووعد بالمزيد , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف الخلق وسيد العبيد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم المزيد ،،
أمّا بعد: فاتَّقوا الله ـ عبادَ الله ـ حقَّ التقوى، فمن اتَّقى ربَّه رشَد، ومن أعرضَ عن مولاه عاش في كمَد .
( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا , ونحشره يوم القيامة أعمى , قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا, قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ).
أقف وإياكم إخوتي في الله في هذه الجمعة المباركة لأذكر نفسي وإياكم بنعمة جليلة .. ومنة كبيرة .. هذه النعمة هي مطلب كٌلِ أمة ، وغاية كل دولة ، من أجلها جندت الجنود ، ورصدت الأموال ، وفي سبيلها قامت الصراعات والحروب.
إنها نعمة الأمن .. وما أدراكم ما نعمة الأمن التي كانت أولَ دعوةٍ لأبينا الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، حينما قال: (رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وارزق أهله من الثمرات) .. فقدّم إبراهيم نعمة الأمن ، على نعمة الطعام والغذاء ، لعظمها وخطر زوالها . و والله وتالله إن أشهى المأكولات ، وأطيبَ الثمرات ، لا تُستساغ مع ذهابِ الأمن ونزولِ الخوف والهلع ذلكم أنه لا غناء لمخلوق عن الأمن ، مهما عز في الأرض، أو كسب مالاً أو شرفاً أو رفعة.
إن نعمة الأمن ، هي منة الله على هذه الأمة المباركة المرحومة ، قال تعالى: (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ )، وقال عز وجل: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً ويتخطف الناس من حولهم).
إن نعمة الأمن ، تشكل مع العافية والرزق ، الملكَ الحقيقيَ للدنيا .. فعن عبيد الله بن محصنٍ الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أصبح منكم آمنا في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) . رواه الترمذي وابن ماجه بسند حسن
إن الديار التي يفقد فيها الأمن صحراءٌ قاحلة ، وإن كانت ذاتِ جناتٍ وارفةِ الظلال.. وإن البلاد التي تنعم بالأمن تهدأ فيها النفوس وتطمئن فيها القلوب وإن كانت قاحلةً جرداء.
في رحاب الأمن ، يأمنُ الناس على أموالهم ومحارمهم وأعراضهم .. وفي ظلال الأمن ، يعبدون ربهم ويقيمون شريعته ويدعون إلى سبيله .. في رحابِ الأمن وظلِه تعم الطمأنينةُ النفوس ، ويسودها الهدوء ، وترفرف عليها السعادة ، وتؤدي الواجبات باطمئنان ، من غير خوفِ هضمٍ ولا حرمان .
لو انفرط عقد الأمن ساعة لرأيت كيف تعم الفوضى وتتعطل المصالح ويكثر الهرج وتأمل فيمن حولك من البلاد ستجد الواقع ناطقاً ، واسأل العراق وغيرَ العراق تجدْه على هذه الحقيقة شاهداً .
إن أمراً هذا شأنه ، ونعمةً هذا أثرها ، لجديرةٌ بأن نبذِل في سبيلها كلَّ رخيص ونفيس ، وأن تُستثمَرَ الطاقات وتُسخَرَ الجهودُ والإمكانات ، في سبيل الحفاظ عليها وتعزيزها .
عباد الله .. الأمن والإيمان قرينان ، فلا يتحقق الأمن إلا بالإيمان .. قال تعالى : (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) .
إذا الإيمان ضاع فلا أمان 000 ولا دنيا لمـــن لم يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين 000 فقد جــعل الفناء لها قرينـا
وإذا تخلى أبناء المجتمع عن دينهم وكفروا نعمة ربهم أحاطت بهم المخاوف ، وانتشرت بينهم الجرائم ، وانهدم جدار الأمن وادلهم ظلام الخوف والقلق وهذه هي سنة الله التي لا تتخلف في خلقه قال تعالى : ( وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الخوف والجوع بما كانوا يصنعون).
إن الأمن الذي نعيشه و نتفيؤ ظلاله ، إنما هو منحة ربانية ، ومنة إلهية ، مربوطة بأسبابها ومقوماتها ، والتي من أعظمها ، إقامة شرع الله ، وتنفيذ حدوده ، وتحقيق عقيدة التوحيد ومناصرتها والدعوة إليها. قال تعالى : ( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ).
عباد الله .. لا بد أن ندرك أن نعمة الأمن لا توجد إلا بوجود مقوماتها ، ولا تدوم إلا بدوام أسبابها ، والتي من أعظمها توحيد الله والإيمان به ، والتخلص من خوارم العقيدة ، ومجانبة البدع والخرافات .
وحتى نحافظ على الأمن في البلاد ، فلا بد من تربية الأمة على طاعة الله والاستقامة على شرعه والبعد عن معصيته .. إن النفوس المطيعة لا تحتاج إلى رقابة القانون وسلطة الدولة لكي تردعها عن الجرائم ، لأن رقابة الله والوازع الإيماني في قلب المؤمن يقظ لا يغادره في جميع الأحوال .
ونحافظ على الأمن بالتمسُّك بالكتابِ والسنة والعنايةُ بالعلم الشرعي فالعلم عصمةٌ من الفتن، وللتعليم الشرعيِّ أساسٌ في رسوخ الأمن والاطمئنان، قال ابن القيّم رحمه الله في إعلام الموقعين : "وإذا ظهر العلمُ في بلدٍ أو محلّة قلّ الشر في أهلها، وإذا خفي العلمُ هناك ظهَر الشرّ والفساد".
والعلماءُ الربانيّون والدعاة المخلصون هم ورثةُ الأنبياء، وفي ملازمتِهم وزيارتهم وسؤالهم والاستنارةِ بآرائهم سدادٌ في الرأي وتوفيقٌ للصواب ودرءٌ للمفاسد. وتأويلُ نصوص الشريعة على غير وجهِها سببُ انحرافِ الفهوم، ومنها ينطلق الأعداءُ لتلويث عقولِ الناشئة، ويزداد أثره حينَ يضعُف التحصُّن بعلوم الدين والشريعة.
ونحافظ على الأمن بالقيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على المستوى الفردي والشعبي والرسمي ، فهو صمام أمان يمنع الشرور والآفات عن المجتمعات وبه يحصل العز والتمكين : (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ* الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ).
ونحافظ على الأمن بالعدل في كل جوانب الحياة ، فالراعي مع رعيته ، والأب مع أهله وزوجاته وأولاده، والمعلم مع طلابه ، والرئيس مع مرؤوسيه ، وصاحب العمل مع عماله ، ومتى تحقق العدل دام الأمن بإذن الله .
ونحافظ على الأمن بتهيئة المحا ضن التربوية للشباب والناشئة ودعم كل المؤسسات العاملة في تربية الناشئة من حلق تعليم القرآن والنوادي الصيفية والمخيمات الدعوية التي تعمل وفق الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة.
ونحافظ على الأمن ، بمعالجة أسباب انحراف الأبناء ، بسبب ما تعيشه بعض البيوت من فقر ، أو نزاعات وشقاق ، وما ينتج عنها من حالات طلاق وتشرد وشقاق .
ونحافظ على الأمن والاستقرار، حينما يقوم العلماء والدعاة والمربون بدورهم في احتواء الشباب ومعالجة الأحداث وتقريب وجهات النظر وتهدئة الانفعالات ، وفتح قنوات الحوار الهادف الهادئ مع الشباب لترشيد حماسهم وتوجيه انفعالهم وتسخير طاقاتهم في خدمة الأمة لا في هدمها .
إن الأمن الوطني لا يتحقق إلا بوجود الأمن الفكري بحماية الأجيال الناشئة وشباب الأمة وتحصين أفكارهم من التيارات المشبوهة التي تسمم العقول وتحرف السلوك من دعوات التغريب ودعايات الفساد والإفساد كتحرير المرأة ومساواتها بالرجال والاختلاط في الندوات وحفلات التخرج وغيرها ..
معشر شباب المسلمين .. إن من الحكمة الواجبة ، أن نتجنب العاطفة الهوجاء ، وردود الأفعال المتهورة، متسلحين بالعلم والحلم والصبر، مشتغلين ببناء النفس ودعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة ، وأن لا نقحم أنفسنا في أمور لا تحمد عقباها ، ولا تعلم شرعيتها وجدواها .
ولا بد أن يحذر الشاب الغيور من تعجل الأمور، أو الحكم على المواقف والأحداث دون الرجوع إلى العلماء الراسخين الصادقين .
إن الأمور إذا الأحداث دبرها 00000 دون الشيوخ ترى في بعضها خللا
معشر الشباب .. لوحة الأمن الجميلة التي نعيشها ، نرسمها نحن بأيدينا، ونصنعها بأنفسنا -بعد توفيق ربنا- حينما نستقيم على ديننا ونؤدي صلاتنا ونبر والدينا ونصل رحمنا ونوقر كبيرنا ونرحم ضعيفنا ونعرف لعالمنا حقه.. لوحة الأمن ، نصنعها حينما نتعامل مع الواقع بميزان الشرع والعقل بعيداً عن الأهواء والعواطف والرغبات الشخصية .لوحة الأمن ، نصنعها حينما نحفظ حدود الله ، ونتقي محارم الله ، ونشكر نعم الله ، (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) .
وتقنية الانترنت معاشر المسلمين سلاح ذو حدين وخطره على الخلق والدين عظيم فواجب استعماله الاستعمال الأمثل بيد أنها ليست مصدرا أصيلاً لتلقي العلم والفتاوى والحكم على الوقائع.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمدُ لله على إحسانه، والشّكر له على توفيقه وامتنانِه، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أما بعد عباد الله .. توحيد رب العالمين وإفراده بالعبادة وحده لا شريك له في ربوبيته وأولوهيته وأسمائه وصفاته من أعظم ما يحقق الأمن التام ويوطده ويحفظه قال تعالى الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) والشرك أعظم الظلم : ( إن الشرك لظلم عظيم ).
نعم عباد الله الأمن التامّ هو في توحيد الله وطاعته ولزوم شكره وذكره وحسن عبادته ، قال سبحانه: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28].
والمعاصي والأمنُ لا يجتمِعان، فالذنوب مُزيلةٌ للنِّعم، وبها تحُلّ النقم، قال سبحانه: )ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ( [الأنفال:53]، وما نزل بلاءٌ إلاَّ بذنب، ولا رُفِع إلا بتوبة. والطاعةُ هي حِصن الله الأعظمُ الذي من دخله كان من الآمنين.
وبالخوف منَ الله ومراقبتِه يتحقّق الأمن والأمان، فهابيل امتَنع من قتلِ قابيل لخوفِه من ربِّه جل وعلا، (مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) [المائدة:28].
أيها المسلمون، إن حِفظُ الأمن الفكري والأخلاقي والعسكري في بلاد الحرمين ألزمُ، فعلى ثراها تنزَّل الوحي، ومِن بين لابتَي طابةَ شعَّ النور في الآفاق، فيها بيتُ الله قائم، وفيها مسجدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عامر.
وعليه فإننا ندين أي عمل أو فعل أو قول أو فكر أو تخطيط يخل بالأمن ويهدد الاستقرار في بلاد الحرمين الشريفين – حرسها الله - فأمنها مطلب وحفظه واجب ووحدة صفها وسلامة منهجها والحفاظ على قيمها وأخلاقها ومقدراتها مسؤولية الجميع رعاة ورعية عامة وخاصة رجالاً ونساءً صغارا وكباراً .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ) [النور:55].
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا , وول علينا خيارنا واكفنا شرارنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك يارب العالمين ..