19-12-2010, 01:22 AM | #1 | ||||||
|
رحيل العبث
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هي محاولة متواضعة للولوج إلى عالم القصة, وربما تجدونها مبتورة ! برجاء التماس العذر لقلمي, ولعلها تجد الوصل والتوجيه من ذائقتكم النقية, وأتمنى للجميع قراءة ممتعة ومفيدة. تكابد الآهات على صغارها في ذلك العش ..أفواه مفتوحة بانتظار وقت البطان, وبعضًا من أنين مخنوق لرحيله .. في ذلك المساء الحزين, كان الابن الأكبر لأحد الصيادين, يعبث بـبندقية الصيد من نوع - الساكتون الناري - فأصاب الذكر بإصابة غير مباشرة , وكان السقوط من بين الأغصان كافيا لإبطال رفرفة جناحيه فوقع في الأسر , ليكمل ابن الصياد -الشرير- عبثه بما تبقى من حياة في الكبد الرطبة . الأم تنتظر ! والصغار لا يكفون عن الزقزقة .. واختلطت الأصوات مع أزيز العاصفة القادمة من مغيب الشمس , فما لبثت كثيرًا حتى ضربت العش لتأخذ في طريقها بعضا منه وتطير بـالمنتوف لمكان مجهول.. أما زقزوق ! فبقدرة الله انضوى محتميا بجناح الأم المكلومة, ولم يصب بأذى .. نقور ؟هو الآخر تشبث بطرف من العش , فبقي متدليا بانتظار المصير المجهول .. وبعد هدوء العاصفة تم إنقاذه, وبات الجمع ملتحفا بدثار الخوف,ومفترشا بساط الجوع.. ليل طويل كليل, ينادم فقد الخليل للخليل إلى أن اشرقت الأرض بأشعة الشمس, فتيقنت الأم بأن بوارق الأمل اختفت, وجميع الاحتمالات لرجوع الغائب قد طويت, وحينها أخذ صوت الصفير يتعالى شيئا فشيئا . استيقظت - أم عبدالله - ذلك الصباح باكرًا, ونافذتها تطل على الشجرة العتيقة ذات العش المنكوب, وصوت صفير متقطع يرتفع تارة وينخفض أخرى, فشرعت كعادتها كل صباح بالبدء في سقاية حديقة المنزل وتنظيم أحوض الورود, وفي تلك الأثناء جالت ببصرها صوب أعلى الشجرة, لتلمح بقايا من عش متدلي .. فأخذت سُلـَّما وصعدت إليه . وعندما اقتربت من العش طار من كان يصدر الصفير, وهدأ المكان, فأطلت على بقايا العش لترى قطعتي لحم ترتعدان ! فأهالها المنظر وأعادها إلى الوراء لبضع سنوات عجاف, ليجذي في روحها حرقة نار الألم , ومرارة الذكريات, وعذابات البؤس, وقسوة الحرمان, فانحدرت من مقلتيها بضع حبات لؤلؤية, لتحرق مكان السقوط على وجنتيها . كانت -أم عبدالله- إحدى بنات القرية من اللاتي رزقهن الله قدرًا وافيا من الجمال والكمال في العقل والدين , مما جعل ابن عمها يصر على التقدم لخطبتها, فهو الآخر يرى نفسه جديرا بها وأحبها منذ أن كانت صغيرة, فتمت الخطبة وبورك الزواج وأقيمت الأفراح ,وعاشا معا في سعادة بالغة, وأنجبت له من البنين ثلاثة .. وفي أحد الأيام كان -أبا عبدالله- متوجها لمقر عمله القريب من المنزل مشيا على الأقدام, وحينها كان القدر بانتظاره, حيث قام أحد الشبان -المراهقين- مع ثلة من الأقران بسرقة مفاتيح السيارة من والد أحدهم, ليصل بهم الحال إلى قمة التهور, وقيادة السيارة بحركات بهلوانية خطيرة وغير مسؤولة على الطريق العام, مما أدى لانحرافها صوب الرصيف, ولتصطدم بالرجل الذي يمشي , وليودع الحياة في سيارة الإسعاف وهو في الطريق لنقله للمشفى , بينما لاذ الجناة بالفرار, فكان وقع الخبر على أسرة - أم عبدالله - كصاعقة ضربت حقلاً فلم تبقي له أثرًا أو تذر . وفي ذات مساء لم يبتعد الحزن فيه كثيرًا عن منزل أم عبدالله , وإذا بالرائد - سعود - يتصل : - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. مساء الخير يا والدتي . - عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. مساء النور . - من أنت يا يابني ؟ - أنا الرائد - سعود - من إدارة مكافحة المخدرات ! - ارتعشت يداها, وشيئا من الإرتباك يسري في أنحاء جسدها الضئيل, فلم تعد تحتمل الوقوف, وكادت أن تهوي على الأرض بجسدها الذي نهشته المواجع بأنيابها الحادة , فارتمت على أقرب مقعد وبصوت متقطع مبحوح يشوبه الحزن, واصلت حديثها مع المتحدث في الهاتف : - اللهم اجعله خيرا يابني .. ماذا تريد ؟! - يا والدتي, يؤسفني إخبارك بهذا الأمر المزعج ,ولكن الإبن عبدالله في ضيافتنا, ولديه قضية تعاطي وترويج مخدرات.. وخلال فترة صمت وذهول من أم عبدالله , شعر الرائد سعود بأن عليه الاستدراك ومعالجة الموقف,ليردف بقوله : ولكن يا والدتي لا تقلقي, فسوف نعالج الأمر من جهتنا, وعبدالله منذ اللحظات الأولى قرر طواعية التعاون معنا, وهو مجرد ضحية وقع في يد شرذمة لئام , مؤهلهم الدناءة والخسة, ومهنتهم العبث بعقول الناس, إنهم ياوالدتي لايخافون الله ولايخجلون من صنائعهم الاجرامية, وسينالون قريبا عقابهم بمشيئة الله فلا تقلقي أبدًا .. وسأعمل على تخليص عبدالله لكِ قريبًا, مراعاة لظروفكم ولحالتك الصحية, ولكن ليس قبل معالجته, برجاء الإنتباه له مستقبلا .. وعندها شعرت -أم عبدالله - ببعض العزاء من خلال تطمين الرائد سعود لها . -جزاك الله خيرٍا يا ولدي, وكثر الله من أمثالك, وجعلها في موازين حسناتك - إنا لله وإنا إليه راجعون - والله إن الحزن لم يفارقنا منذ وفاة والده ياولدي! وأجهشت بالبكاء فرد عليها الرائد سعود مؤكدا تطميناته لها : - لابأس يا والدتي ! ولقد أخبرني عبد الله بكل شىء, وهو متعاون معنا, وسأحرص هذا المساء على أن يتصل بك لطمأنتك .. مع السلامة . - مع السلامة ياولدي, وحينها سقطت سماعة الهاتف من بين يديها المرتعشتين, وشعرت الأم المسكينة بأن الأرض تدور بها.. وبينما تحاول النهوض من المقعد بتثاقل, هوى جسدها المنهك على الأرض .. وفي تلك اللحظة دخل الأخوين الأصغر سنا من عبدالله - سمير وأحمد - وكانا عائدان من المدرسة , وعندما رأيا والدتهما ملقاة على الأرض, فزعا كثيرًا وأقبلا نحوها يركضان ويصرخان من شدة الرعب وهول المنظر.. أمي ..أمي .. ماذا حصل ؟! ما ذا أصابك؟! أمي أرجوك لا لا لاترحلي عنا .. وأسرع سمير إلى الهاتف طالبا المساعدة والنجدة, وخلال وقت قصير وصل الإسعاف, وتم نقل الأم إلى المشفى, وبقي الصغيران بجانبها إلى وقت متأخر من الليل ! إلى أن جاء خالهما واصطحبهما لمنزله, وبعد ثلاثة أشهر تقريبا أفاقت من غيبوبتها, وتماثلت للشفاء وعادت إلى المنزل, وإذا بالرائد سعود يطرق باب الأم المكلومة, وبيده الإبن -عبدالله- ليسلمه لها .. وبعد سنوات وبعون من الله وتوفيقه, ثم بمساندة من الرائد - سعود - وطاقم من الخبراء , تمكن -عبدالله - بعد مواصلة دراسته , من الالتحاق بأكاديمية الأمير نايف للعلوم الأمنية, ليتخرج منها ويتم تعيينه كخبير مسؤول في إدراة مكافحة المخدرات, فواصل توجيه إخوته ورعايتهم , ومتابعة حالة والدته الصحية, وجعل شغله الشاغل مطاردة وتضييق الخناق على مروجي السموم وباعة الموت . كل تلك الذكريات ! مرت بمخيلة - أم عبدالله - كأحد الأفلام التي يتم عرضها بسرعة فائقة, وفي زمن لايتعدى نصف الدقيقة, بينما تنظر إلى ذلك العش المنكوب وقطعتي اللحم المرتعدين- زقزوق ونقور - ولم تفق من غفلة الذكريات المؤلمة تلك ! إلا على صوت العميد - عبدالله - وهو يناديها من أسفل : ماذا تفعلين ياأمي ! حذار .. حذار أثناء نزولك من السلم يا أمي ! فنزلت ببطء شديد وهي ترتجف من هول مارأت في العش, محوقلة تارة ومسترجعة أخرى, وبضع قطرات من الدمع لازالت تكسوا خديها , وعندما نزلت واسترجعت أنفاسها , طلبت من -عبدالله- الصعود لتسوية العش, وإعادته لمكانه . بقلم / عبدالرحمن الجبابرة .
|
||||||
|
19-12-2010, 01:34 AM | #2 | ||
|
رد: رحيل العبث
سلمت يمينك ودام قلمك وابداعك لاهنت ياعبدالرحمن
|
||
|
19-12-2010, 01:48 AM | #3 | ||||||
|
رد: رحيل العبث
اقتباس:المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شافي بن راشد النتيفاتسلمت يمينك ودام قلمك وابداعك لاهنت ياعبدالرحمن
|
||||||
|
19-12-2010, 09:48 AM | #5 | |||||
|
رد: رحيل العبث
|
|||||
|
19-12-2010, 12:08 PM | #6 | ||
|
رد: رحيل العبث
عبدالرحمن الجبابرة
|
||
|
19-12-2010, 05:02 PM | #7 | ||
|
رد: رحيل العبث
أخي عبدالرحمن الجبابره . . .
|
||
|
19-12-2010, 05:12 PM | #8 | ||||
|
رد: رحيل العبث
يعطيك العافية اخي عبدالرحمن على القصة المعبرة والمؤثرة بنفس الوقت...
|
||||
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
إعلانات نصية |
منتديات صحيفة وادي الدواسر الالكترونية | |||