بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
هناك آداب للجماع ذكرها الشارع متضمنة كل ما فيه الخير للجميع، ناهيك عن فوائده الصحية والنفسية، لعلها تجيب على سؤالك وتجنبك المحظور.
الأدب الأول: النية الصالحة:
فينبغي للإنسان إذا أتى أهله أن يستحضر نية صالحة، حتى يحوّل بها فعله إلى عبادة يثاب عليها، لأن الأعمال بالنيات، فينبغي أن ينوي بإتيان أهله أربعة أمور:
1- التماس الذرية الصالحة التي تعبد الله تعالى وتوحده، وتناله دعواتهم من بعده.
2- إعفاف نفسه، وغض طرفه، وإحصان فرجه بما أحل الله من النكاح عما حرم من الحرام والسفاح، وطلب الأجر من الله في ذلك، كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "... وفي بضع أحدكم صدقة" قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر" مسلم ( 1006) عن أبي ذر.. فيا سبحان الله كرم الله مع خلقه بلا حدود، يأتي الإنسان شهوته، ويثاب لأنه أتاها حلالاً ولم يأتها حراماً، فالحمد لله من قبل ومن بعد.
3- إعفاف زوجته، فإن المرأة لها شهوة كما للرجل، وتريد قضاء وطرها كما يريد، وتريد الإحصان والعفاف مثـله. ففي هذه المباشرة الإحصان لكلا الزوجين.
4- اتخاذ الجماع وسيلة لمعرفة نوع اللذة التي أعدها الله لعباده الصالحين في الجنة.
الأدب الثاني: التهيؤ للجماع بما يناسبه: وذلك بأن يتهيأ كل من الزوجين للآخر بما يحبه ويرتضيه من لباس، وتعطر، وتزين. ونحو ذلك مما يشوِّق كلا منهما لمعاشرة الآخر، ويكون سببا في إرضائه، وقضائه وطره.
الأدب الثالث: ذكر الله تعالى، ودعاء الجماع:
وفيه إقرار بنعمة الله تعالى، وتعوذ به من الشيطان، وتعويذ للطفل الذي قد يكون ثمرة لهذا الجماع، والتماس للبركة منه سبحانه وتعالى، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا. فإنه إن قضي بينهما ولد من ذلك لم يضره الشيطان أبداَ" (البخاري (7396،3283،3271،141)، ومسلم (1434) عن ابن عباس رضي الله عنهما) وهذا الدعاء حفظ للمولود من الشيطان. ولكن للأسف فإن عامة الناس لا يبالي بهذا الدعاء ولا يأتي به. ولعل ترك كثير من الناس لهذا الذكر عند إتيانهم أهليهم، مما يفسر ظاهرة استيلاء الشيطان على كثير الناس وانحرافهم، واختلال عقائدهم وسلوكياتهم. والله أعلم
الأدب الرابع: الاستتار وعدم التعري:
فينبغي للإنسان أن يستتر هو وأهله، حياء من الله تعالى ومن الملائكة، وقد قال تعالى: "وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا" [يونس:61] وليس من الأدب أن يباشر الإنسان أهله وهما متجردان ليس عليهما غطاء يسترهما، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" قيل يا رسول الله أرأيت إن كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: "إن استطعت أن لا تريها أحدا فلا ترينّها". قيل يا رسول الله فإن كان أحدنا خاليا؟ قال: "فالله أحق أن يستحيا منه من الناس" ابن ماجة (1920)، والنسائي في عشرة النساء (89) عن معاوية بن حيدة. صحيح ابن ماجة (1559) فلا ينبغي أن يكون الزوجان متجردين دون غطاء يسترهما أثناء الجماع. الأدب الخامس: الملاعبة قبل المواقعة:
فلا يفاجئ أهله بالمواقعة بل عليه أن يمهد لذلك، بالملاعبة، والمداعبة، والتقبيل، ونحو ذلك من الأمور التي تهيئ المرأة للجماع، وتشوقها إليه. فهذا مما قيل في تفسير قوله تعالى: "وقدموا لأنفسكم" [البقرة:223].
الأدب السادس: إتيان المرأة كيف شاء إذا كان في الفرج:
وقد ثبت أن عمر رضي الله عنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت. قال: "وما أهلكك؟" قال حوّلت رحلي الليلة. فلم يرد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً، فأنزلت على رسول الله هذه الآية: "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" [البقرة:223]، قال " أقبل، وأدبر، واتق الدبر والحيضة" أحمد (1/297) ،والترمذي (2980) وحسنه، والنسائي في عشرة النساء (94) عن ابن عباس. صحيح الترمذي (2381).
وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" يعني (صماما واحداً) [الترمذي ( 2979) وحسنه. عن أم سلمة. صحيح الترمذي (2380)] أي: الفرج.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن اليهود والأنصار كانوا لا يأتون النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا، ويتلذذون منهن مقبلات، ومدبرات، ومستلقيات. فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك، فأنكرت عليه، وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف، فاصنع ذلك، وإلا فاجتنبني. حتى شرى –أي انتشر أمرهما، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" أي: مقبلات، ومدبرات، ومستلقيات- (يعني بذلك موضع الولد) أبو داود (2164) عن ابن عباس. صحيح أبي داود (1895).
وكذلك عن جابر رضي الله عنه: أن اليهود كانت تقول: إذا جامع الرجل أهله في فرجها من ورائها، كان ولده أحول. فأنزل الله سبحانه وتعالى "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" البخاري (4528) ومسلم (1435) عن جابر. فللرجل أن يأتي زوجته كيف شاء، وعلى أي هيئة يحب، مقبلة، أو مدبرة، أو مستلقية، بشرط أن يكون ذلك في الفرج، الذي هو موضع الحرث.
الأدب السابع: اجتناب الدبر:
فيحرم على الرجل أن يأتي امرأته في دبرها، فإنه ليس موضع الحرث، وهو خلاف الفطرة، ولا فائدة فيه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إتيان النساء في أدبارهن حرام" النسائي في عشرة النساء عن خزيمة بن ثابت: السلسلة الصحيحة (873)، صحيح الجامع (126). وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن" أحمد (5/213)، وابن ماجة (1924)، والنسائي في عشرة النساء (105:99) عن خزيمة. صحيح ابن ماجة (1561).
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهناَ فصدقه بما يقول، أو أتى امرأة حائضاَ، أو أتى امرأة في دبرها، فقد برئ مما أنزل على محمد" أحمد (2/476،408)، وأبو داود (2904)، والترمذي ( 135)، وابن ماجة (639)، والدارمي (1/259)، والنسائي في عشرة النساء (134) عن أبي هريرة رضي الله عنه، صحيح الجامع (5942).
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها" ابن ماجة (1923)، والنسائي في عشرة النساء (131:129) عن أبي هريرة. صحيح ابن ماجة (1560)، فعلى المسلم أن يتقي الله تعالى، ولا يأتي هذه الفعلة الشنيعة، تقليدا لأهل الكفر والفجور وغيرهم.
والمقصود بالإتيان في الدبر الجماع في موضع الغائط، فهذا لا يجوز أبداً. لكن يجوز الاستمتاع بها من جهة الأرداف دون إيلاج في الدبر، نص على ذلك بعض أهل العلم.
الأدب الثامن: عدم إتيان المرأة وهي حائض:وقد قال تعالى: "فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله" [القرة:222]. ويدل على تحريمه أيضا حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الأدب السابق، ولكن يجوز له أن يستمتع بها دون أن يقرب الفرج، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه وهي حائض أمرها أن تأتزر، ثم يباشرها" البخاري (303)، ومسلم (294) عن ميمونة. وأخرجاه كذلك عن عائشة، وكذلك: "كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً" [ أبو داود (272) عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. صحيح أبي داود (242)].
الأدب التاسع: أن لا ينزع حتى تقضي المرأة وطرها:فإذا قضى الرجل وطره قبل امرأته فلا ينزع على الفور، بل يصبر عليها حتى تقضي وطرها أيضاً، وذلك إعانة لها على الاستعفاف، وهو من العدل والإنصاف. وكثير من الناس لا يبالي بهذا الأدب، فتكون عواقب ذلك وخيمة جداً، حيث لا تقضي المرأة شهوتها، ولا تستعفف بالجماع، وقد تتطلع إلى قضاء شهوتها في الحرام، ولا حول ولا قوة إلا بالله..
الأدب العاشر: مشاهدة نعمة الله تعالى بتيسير الزوجة الحلال: فينبغي للرجل وهو يأتي أهله أن يشاهد بقلبه مدى نعمة الله عليه، بالزوجة الحلال يستمتع بها، ويقضي منها وطره، ويحصن بها فرجه، ويتعفف بها عن الحرام، ولو شاء الله لم ييسر له ذلك. قال تعالى: "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم" [النحل:18].
الأدب الحادي عشر: الوضوء عند الرغبة في معاودة الجماع: فإذا بدا للرجل بعد جماعه امرأته أن يعاودها فليتوضأ. حتى يستعيد نشاطه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ" مسلم (308) وهذا من أدب الإسلام، ومن علامات حرص الإسلام على كل ما فيه مصلحة للمسلم. فالحمد لله رب العالمين.
الأدب الثاني عشر: جواز الطواف على عدة زوجات بغسل واحد في ليلة:يعني أنه إذا كان للإنسان أكثر من زوجة، فإنه يجوز له أن يجامع إحداهن، ثم يذهب لجماع الأخرى، ثم الثالثة، وهكذا، حتى يغتسل في آخر مرة غسلاً واحداً، وذلك لفعله صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى الله عليه وسلم: "كان يطوف على جميع نسائه في ليلة بغسل واحد" البخاري (268/284/5068/5215)، ومسلم (309) عن أنس رضي الله عنه.
الأدب الثالث عشر: الوضوء أو التيمم عند رغبة النوم على جنابة: فإذا تكاسل الإنسان أن يقوم للاغتسال من الجنابة، وأراد أن ينام، فإنه يغسل فرجه، ويتوضأ، لفعله صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة" البخاري (288)، ومسلم (305) بنحوه عن عائشة، ويجوز له أن يتيمم، فإنه صلى الله عليه وسلم: "كان إذا واقع بعض أهله فكسل أن يقوم ضرب بيده على الحائط، فتيمم" الطبراني في الأوسط (رقم649 )عن عائشة رضي الله عنها. صحيح الجامع ( 4794).
الأدب الرابع عشر: غسل اليد إذا أراد أن يأكل أو يشرب:
وهذا من باب الحرص على النظافة، واقتداء به صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى الله عليه وسلم: "كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة، وإذا أراد أن يأكل أو يشرب وهو جنب غسل يديه، ثم يأكل ويشرب" أحمد (6/102)، وأبو داود (223)، والنسائي (1/139)، وابن ماجة (593،584 )، والدار قطني (1/126/2) عن عائشة رضي الله عنها. صحيح الجامع (4659)، وهذا لا شك من علامات الحرص على الطهارة، والبعد عما تعافه النفس.
الأدب الخامس عشر: عدم الجماع مع الجوع الشديد أو الامتلاء:فإن هذا مما يضر بالإنسان جداً، بل قد يكون سببا في هلاكه إذا اعتاده، فلا ينبغي الجماع بعد الطعام مباشرة، أو مع شدة الامتلاء. وكذلك مع شدة الجوع. ذكر ذلك أهل الطب جميعاً. والإسلام يحرص على ما فيه مصلحة للمسلم، ويمنع عنه كل ما يضره في دينه ودنياه.
الأدب السادس عشر: عدم الإفراط في الجماع:
فإن الإفراط فيه كذلك بما لا تحتمله صحة المرء مما يسبب الأمراض، وقد يقتل المرء، وكما قيل:
واحفظ منيّك ما استطعت فإنه *** ماء الحياة يراق في الأرحام
وليس له حد معين يتعين الانتهاء إليه، لكن الأفضل أن يكون عند ثوران الشهوة، واشتداد الرغبة عند المرء، ولا داعي لأن يتعمد استثارة نفسه كثيرا، ولاسيما في زمن الشباب، فإن هذا مما قد يضر به كما سبق.
الأدب السابع عشر: عدم التحدث بشأن أمور الفراش:
فبعض الناس من الرجال والنساء يحبون الحديث عن أمور الفراش، ويحكي كل منهم ما يدور مع صاحبه في الفراش، وقد يتكلم في ذلك بالتفصيل، وهذا حرام، وقبيح جداً منهم. وقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحذير، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها" مسلم (1437) عن أبي سعيد، فهذا ما يسر الله به من آداب الجماع، وعدتها سبعة عشر أدبا، والحمد لله رب العالمين للاستزادة: عشرة النساء للنسائي، تحفة العروس لمحمود مهدي الاستانبولي، سنن أبي داود (2/255) وما بعدها، وغير ذلك.
سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك