السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد / كلمة أن شاء الله من القلب إلى القلب فقط ارعني سمعك وبصرك دقيقة لماذ1
تمتلئ أروقة المحاكم في كثير من بلداننا الإسلامية بقضايا الخلافات بين الزوجين، وترتفع نسب الطلاق، وتختلف نظرة الباحثين عن الأسباب والدوافع، ولكلٍ وجهة نظره؛ فالبعض يرى أن المشكلات الاقتصادية هي السبب، والبعض يرى السبب متمثلاً في اختلاف الثقافة بين الزوجين، وأرجعت إحدى الإعلاميات السبب إلى تقصير أحد الزوجين في حق الفراش، إلى ذلك من أسباب يرى أصحابها أنها الدافع وراء الخلافات الزوجية.
وقد تكون بعض هذه الدوافع سببًا للشقاق، ولكن هذه الأسباب كانت موجودة في كل العصور، ومع ذلك فلم تكن نسبة الشقاق مرتفعة كما يحدث الآن؛ ولذا فمن المهم معرفة الدوافع والأسباب التي زادت من نسبة الشقاق.
النظر للطرف الآخر
"جفاف المشاعر بين الزوجين" هذا هو السر. ومع أن الأسرة في عصرنا الحاضر قد تعيش في بحبوحة من العيش تمتلك متع الدنيا، لكنها تفتقر إلى السعادة؛ لأن المشاعر قد جفّت، وأصبحت هشيمًا، وأضحت العلاقة بين أفرادها علاقة هشة جامدة لا روح فيها، وبالتالي فهي معرضة للتصدع والسقوط والانهيار.
والكل يعرف حقوقه وينسى واجباته، يعمل لنفسه دون نظر للشريك الآخر، وقد يهتم بكل شيء إلا قرينه؛ فالزوج غائب مع أصدقائه قد يمتد به السهر معهم، والزوجة غائبة مع صديقاتها بالمجالسة معهن أو التحدث بالهاتف لساعات طويلة، حتى حق الفراش قد يؤديه بعضهم بأنانية لإشباع رغبته دون نظر للطرف الآخر.
العش الوردي
إن الباحث في نصوصنا الإسلامية ليجد كَمًّا هائلاً من المواعظ والتنبيهات التي تحثّ كلا من الزوجين على الاهتمام بالطرف الآخر، وإرواء المشاعر والأحاسيس والعواطف التي تجعل كلا من الزوجين يتفانى في تحقيق السعادة؛ فيصبح بيت الزوجية عُشًّا ورديًّا قويًّا حصينًا، لا تؤثر فيه الرياح، ولو كانت عاتية، ولا تزلزله العواصف، ولو كانت عاتية، وحتى لو أتت سحابة صيف على جنة الأحباب؛ فإن غيمها الداكن سرعان ما ينقشع ويزول.
وبعيدًا عن الحقوق المادية التي يعلمها الجميع وليست بخافية على أحد، فإني أركِّز على الحقوق المعنوية التي شرعها الإسلام للزوجين لإحياء مشاعر الحب والود بينهما، وكثير من الناس يتغافل عنها، ومنها:
التلطف والمؤانسة:
جميل أن يكون الرجل لطيفًا، ومؤنسًا أهله، فمهما كان منصبه أو جاهه أو سلطانه ينبغي أن يتبسط مع زوجته بنوع من المرح البريء؛ فلقد سابق النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – السيدة عائشة فغلبته مرة وغلبها مرة. فقال لها: هذه بتلك يا عائشة، وأيضا سماح – صلى الله عليه وآله وسلم – لها برؤية الأحباش وهم يلعبون بالحراب داخل المسجد
رعاية المشاعر:
نكره أن يؤنب الزوج زوجته بسب أو كلام جارح، فعليه أن يحفظ سرها، وخاصة سرّ الفراش؛ لأن المرأة قد تبتذل لزوجها إرضاء له، وهو أمر مطلوب ومرغوب؛ فلا يبيح سرها أمام أحد من أصدقائه، فيتخيل ما حكاه الزوج له، فتسقط من عينه، وبهذا يحفظ الإسلام للزوجة كرامتها، وكذلك لا يسمح له أن يفاجئ زوجته بالدخول عليها دون أن تشعر به، وكذلك لا يفاجئها بالعودة من السفر؛ فلقد قدم الجيش إلى المدينة ليلا، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعدم دخول المدينة ليلا حتى تمتشط الشعثاء وتستحد المغيبة، وبهذا فلا يسمح للزوج أن يفاجئ زوجته أو أن تنكشف له بعض هنّاتها عندما تترك زينتها لغيابه، فيا ربما بقي في عصب مشاعره منظر كئيب قد يعكر على حديقة الحب، مثلما تظلل سحابة الربيع جنة الأحباب بغيمها الداكن.
والزوجة تحترم مشاعر زوجها؛ وفاء للجميل، واحتراما للعشرة، وتأكيدًا للميثاق الغليظ؛ فلا تخرج من البيت إلا برضاه، كما لا تنعت امرأة أخرى لزوجها وتصفها له وصفًا دقيقًا، كأنه ينظر إليها؛ لئلا يعقد مقارنة بينهما، تعقبها حسرة في نفسه لأن تزوج من هذه، ولم يتزوج من مثل تلك.
الوفاء وعدم التمرد:
لا يجوز للزوجة أن تهجر فراش زوجها تكبرًا وتعاليا عليه، أو ربط ذلك بتحقيق مصلحة مادية أو نحوها.
المعاونة بالمعروف:
الحياة الزوجية شركة ممتدة طيلة الحياة؛ ولذا ينبغي أن تكون قائمة على التعاون التام بين أفرادها؛ فلقد كان - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو أشرف الخلق على الإطلاق - يخصف نعله، ويُرقِّع ثوبه، ويحلب شاته، ويقيم بيته، ومع أن الإنفاق على البيت من واجبات الزوج فإن المرأة تساهم في البيت، وذلك لها صدقة.
وهكذا يزاوج الإسلام بين الحقوق والواجبات، كأنما يهندس لحياتنا الزوجية بصفين متوازيين من الرياحين والزهور، من أجل ربيع دائم لمعاشرة طيبة بالمعروف والإحسان والمودة والرحمة؛ حتى تحيا الأسرة في تناغم مرهف ترتشفه.