غزة-دنيا الوطن
لم يكن قرار الشابة السعودية الاء خلف ، ابنة مدينة جدة بالرحيل عن السعودية وترك كل شيء وراءها ... والقدوم الى اسرائيل، للعيش في مدينة الطيرة مع زوجها يوسف سمارة، لم يكن قرارا سهلا، وهي لا زالت تذكر بكاء والدتها المرير حين ودعتها اخر مرة قبل سنتين في المطار ...
حب في الجامعة
لا زالت الاء عيسى خلف (سمارة)، ابنة مدينة جدة في السعودية سابقا وابنة مدينة الطيرة في المثلث حاليا، تذكر جيدا اللقاء الاول الذي جمع بينها وبين زوجها يوسف سمارة من الطيرة، حين كانا طالبين على مقاعد الدراسة في كلية الصيدلة ، في جامعة البتراء، في العاصمة الاردنية عمان.
يوسف لمحها على المدرج في قاعة المحاضرات، وأعجب بها وبشخصيتها ... وسرح بخياله بعيدا، وأدرك انها هي تلك الفتاة التي يبحث عنها شريكة لحياته. لم يفهم يوسف من المحاضرة كثيرا بقدر فهمه لحقيقة واحدة هي انه معجب بتلك الفتاة حتى النخاع … كل جوانحه خفقت بشدة حينما رآها جالسة على مقعدها في المحاضرة. تستذكر الاء تفاصيل من اللقاء الاول الذي جمعها مع زوجها يوسف قائلة: "تعرفت على يوسف في الجامعة حيث كنا في محاضرة، رآني فأعجبته ومن ثم تعرف عليّ. وتحدث اليّ وجها لوجه وتعرف علي وتطورت العلاقة فخطبنا وتزوجنا. تعرفت عليه عام 2000 وخطبنا في عام 2003 في فندق القدس عمان وتزوجنا في 2005 في الطيرة".
فرح اهل جدة واهل الطيرة في عمان
الطريق الى حفل الزفاف كانت مرصوفة بمشاق كثيرة، اذ ان اهل الاء لم يوافقوا في بادئ الامر على العلاقة بين يوسف والاء ورفضوها بشدة الى درجة انهم حاولوا ان ينقلوا الاء من الجامعة التي تدرس فيها مع يوسف وفي وقت لاحق قرروا ان ينقلوها من المدينة نفسها... الخوف على مصير ابنتهم كان يلازمهم ليل نهار ، وأصبح هذا الموضوع يشكل مصدر قلق دائم لهم، الا ان الاء قررت ان تحسم مصير مستقبلها بيديها ، بدعم كبير من زوجها يوسف الذي لطالما شحنها بوجبات دسمة من الحب والدفء والدعم اللامحدود ... تقول الاء مستذكرة تلك الايام التي جلست فيها اوقاتا طويلة تقنع اهلها باختيارها ، قائلة :" لقد عارض ورفض اهلي بشدة موضوع ارتباطي مع يوسف، وبدأوا يضغطون علي قبل الخطوبة ان نبتعد وكانوا خائفين، خاصة انه لا يوجد سلام بين الدولتين ، وكثيرا ما تساءلوا وسألوني ماذا ستفعلين هناك لوحدك ؟، وهم يعرفون انني اخجل كثيرا ، وخافوا عليّ ان اضيع ، ولكن بعد ان تعرفوا على اهل يوسف اطمأنوا عليّ وتغيرت الصورة " . وتستطرد الاء قائلة حول تهديد اهلها لها في مرحلة من المراحل بحرمانها من التعليم ، وتقول :" كانت هناك فترة ، كاد يجبرني اهلي على نقلي الى جامعة غير الجامعة التي يتعلم فيها يوسف او حتى في بلد اخر ، ولكنني صممت انا ويوسف ، وقال لي يوسف ان لا ابتعد ، وكنت اخبره بكل شيء بالهاتف ، وكان يشجعني ويقول لي باننا سنكون من نصيب بعض ، وبدأت اتحدث مع والدي ووالدتي بمنطق العقل والتفكير المتزن ، فيهدأون قليلا ولكن عندما يعودون ويتذكروا الغربة تعود المشاكل مرة اخرى" . وتمضي الاء في الحديث قائلة :" كانت هناك مشاكل بسبب خوفهم من الغربة فقط ، كانوا يقولون لي ان البنت امام اهلها ليست كمن هي بعيدة عن اهلها ، خصوصا انه من الصعب رؤيتهم ". وتابعت الاء قائلة عن قرار مجيئها الى اسرائيل:" القرار كان صعبا جدا بالنسبة لي وبالنسبة لاهلي ايضا ، لكن كان اهل يوسف قد ذهبوا الى الاردن وتعرفوا بأهلي ، وعندما تعرف اهلي على اهل يوسف اطمأنوا ولم يخافوا من ان اتغرّب ، مع العلم ان الامر كان صعبا الا انني تعودت في النهاية . في البداية كان الوضع صعبا وكنت خائفة خاصة انني سأحضر الى بلد لا اعرف عنه شيئا واول مرة ازوره ولكن الحمد لله بعد ان حضرت الى هنا تأقلمت مع الوضع وكل شيء سار على ما يرام" .
حفل زفاف يوسف والاء كان حفلا غاية في التميز ، اقيم في قاعة فندق القدس في عمان ، بحضور نحو 100مدعو من جدة ومن الطيرة ، من الاقارب والاصدقاء . ولم تكن القاعة تتسع لفرحة العروسين وهما يريان الاهل يحيطون بهما ، يرقصون على نغمات الموسيقى ويصفقون ويزفونهما الى عش الزوجية ... فكان العرس بمثابة لوحة امتزجت فيها العادات والتعبيرات المتعددة المعبرة عن فرحة السعوديين والطيراويين . تلك الفرحة الغامرة التي لا زالت مطبوعة في ذاكرة العروسين وأهلهما.
"انا الاء خلف من جدة في السعودية "
لا شك ان الحديث عن امرأة سعودية ، تعيش في اسرائيل ، وباتت اليوم تحمل الهوية الاسرائيلية ايضا ، هو امر غير عادي وفيه الكثير من التحدي ، ولكن بالنسبة ليوسف والاء كل شيء اصبح واقعا وحقيقيا ، بعدما اجتازا سوية كافة الحواجز والصعوبات ودافعا بشدة عن علاقتهما ولم يسمحا لاي شيء ان يهدمها . تعرفنا الاء في السطور القليلة القادمة على نفسها وعلى عائلتها في جدة وعائلتها في الطيرة ، قائلة :"انا الاء خلف من جدة في المملكة العربية السعودية ، وحضرت الى عائلة زوجي يوسف في الطيرة وهي عائلة عبد الفتاح سمارة". وتمضي الاء في حديثها قائلة :" نجحت حديثا في امتحان الصيدلة النهائي وحصلت على رخصة لمزاولة مهنة الصيدلة وانا وابحث حاليا عن عمل في مجال تخصصي" . سألت الاء ان كانت تشعر بانها تنازلت عن امور معينة كونها قررت القدوم الى اسرائيل والعيش هنا ، فردت قائلة :" لا انا لم اتنازل عن شيء ، ربما العادات في بلادي ليست كما هي هنا ، ولكن يجب على الانسان ان يتأقلم لكي يعرف كيف يعيش . ربما اكون قد ضحيت بأهلي وانني لن اراهم ولكن كنت بين نارين كوني تعرفت على يوسف وعرفت اخلاقه الحميدة وعرفت عائلته ، وفي النهاية على الانسان ان يضحي بشيء . الحمد لله انا ارى اهلي في الاردن في كل صيف ، واتحدث اليهم بالهاتف وأتواصل معهم عبر الانترنت ، صحيح ان الوضع صعب وان الانسان بحاجة لرؤية اهله الا انني اعتدت على هذا الامر" . كيف شعرت عندما حزمت حقائبك تاركة غرفتك في البيت ، استعدادا للانتقال الى الطيرة ؟ اصعب لحظة في حياتي هذه اللحظة ، كانت لحظة صعبة جدا ، وعندما رافقني والدي ووالدتي الى المطار ، هذا الشيء كان صعبا لا انساه ، حتى ان والدتي لم يكن بامكانها الوقوف على قدميها لشدة تأثرها ومن كثرة البكاء ، وانا كذلك كان موقفي صعبا جدا .
المقارنة بين مدينة جدة الكبيرة ومدينة الطيرة الصغيرة
هل اجريت مقارنة او حاولت اجراء مقارنة بينك وبين نفسك بين المدينة الكبيرة جدة التي نشأت وترعرعت وكبرت فيها وبين الطيرة التي قررت ان تواصلي عيشك فيها ؟
اول ما حضرت الى هنا قمت بهذه المقارنة ، حيث خرجت في السيارة واكتشفت امورا كثيرة ، جدة مدينة كبيرة والطيرة صغيرة ، لكن هناك اختلافات بين البلدين ، واكثر ما لفت انتباهي هو الترابط القائم بين الناس هنا ... كما وانك ترى بان جميع الناس هنا يدا واحدة .
تشعر الاء بشوق كبير الى اهلها ، كما وتشعر بحنينها الى غرفتها والى الحارة التي كبرت فيها . تقول الاء ، ردا على سؤالنا عن اكثر ما تحن اليه في عروس البحر الاحمر - جدة ، قائلة :"اكثر ما اشتاق اليه هو بيتنا واهلي وغرفتي واشتاق للحارة ، اشتاق الى الاجواء هناك ، واشتاق الى اخوالي الذين يسكن جميعهم في السعودية. انا ارى اهلي في الاردن لكنني لا ارى اخوالي منذ ان خرجت من السعودية . اشتاق اليهم كثيرا واحيانا اتحدث اليهم بالهاتف ولكن اشتاق الى رؤيتهم".
متى قمت بزيارة الى جدة اخر مرة ؟
اخر مرة زرت فيها جدة كانت قبل سنتين ، قبل الزواج وقبل ان احضر الى هنا ، ودعت جدة جيدا حيث كنت هناك لمدة اربعة اشهر .
هل كان لديك شعور عندما ودعت جدة انك لن تعودي اليها ؟
نعم ، حتى انني كنت ابكي طيلة الوقت ، اذ من الصعب جدا علي ان اترك المكان الذي ولدت فيه . يوسف انسان جيد وشعرت انه بالفعل يريدني وكان متفوقا في الجامعة وكان واضحا انه انسان جدي احبني بصدق وأرادني زوجة له ، وأحببنا بعضنا هناك في الاردن واضطررت للتضحية .
" احب بحر جدة "
ما هي الامور التي تحبين ان تتحدثي عنها في جدة وستبقى راسخة على جدران ذاكرتك ؟
احب البحر في جدة ، كورنيش جدة جميل جدا . اجمل الجلسات تكون في وقت المغرب في الصيف ، طيلة السنة الطقس حار في جدة فنادرا ما تسقط الامطار هناك ، ولكن هنا ترى جميع الفصول . هل كان تأقلمك مع الواقع الجديد سريعا ؟ تأقلمت بسرعة والحمد لله ، مع انني لم اكن اشعر انني سأتأقلم بهذه السرعة لانني اعرف شخصيتي ، فانا من النوع الخجول وأخاف ايضا ، ولكن عندما حضرت الى هنا تأقلمت بسرعة لان العائلة استقبلتني بحفاوة وهذا ما جعلني اتأقلم بسرعة ، حتى ان زوجي استغرب من تأقلمي السريع. الناس هنا جيدون ، وعندما يعرفون انني غريبة ، اشعر انهم يتعاملون معي بشكل مختلف ... وكلهم يريدون ان يتعرفوا عليّ ومنهم من يستقبلني في بيته .
كيف تقيّمين تجربة العيش هنا بعد الاقامة سنتين في الطيرة ؟
الحمد لله للاحسن وكلما مرت فترة اشعر بشكل افضل ، صراحة انا احببت العيش هنا ، رغم انني من النوع الذي يخاف كثيرا .
ما هي اجمل الاماكن التي زرتها في اسرائيل ؟
يافا لان امي من يافا ، وعندما اذهب الى هناك اشعر بأمي ، وكلما اتحدث اليها تذكرني بان بيتها بالقرب من الساعة ، وكلما اذهب الى يافا واكون بالقرب من الساعة ، اتصل اليها وأخبرها انني بالقرب من الساعة .
"مواطنة اسرائيلية بشرطين "
معروف ان موضوع الهوية موضوع شائك في اسرائيل ، فكيف كان مشوارك بالحصول على الهوية الاسرائيلية ؟ اوكلنا محاميا يهوديا ، ووقف معنا من اول المشوار وتم اصدار هوية لي بعد ستة شهور ، والمحامي كان ممتازا ، وقد دلوني عليه من وزارة الداخلية . انا مواطنة اسرائيلية ولكن ممنوع ان انتخب او ارشح نفسي .
كيف تقضين وقتك ،الى حين تجدين مكان عمل ؟
ابقى في بيت عمي ، يخرج يوسف الى العمل وابدأ بالاعمال المنزلية ، وانهي عملي في البيت واذهب الى بيت عمي لتناول الغداء وانتظر يوسف عندما يأتي ومن ثم يذهب للوردية الثانية فيما أبقى وابنتي في بيت عمي ، واذهب ايضا الى اعمام يوسف فهم جيراننا ، اجلس مع بنات عمه فهن من اجيالي ونتسلى معا ونتحدث سوية ، نتجول في الطيرة ونذهب الى كفار سابا للتسوق .
هل الاختلاف كبير بين المجتمع العربي المحلي هنا وبين المجتمع السعودي ، من ناحية العادات والتقاليد وغيرها ؟
هناك فرق ، فهنا يعيشون على البساطة وخاصة في الاعراس ، بينما في السعودية اهم شيء الفخامة في اعراسهم هذا الفرق في الاعراس . ومن ناحية اللباس يختلف ، فمثلا هناك لبس العباءة من العادات والتقاليد ، هناك الكثير من الامور ، مثل اللغة ، فهناك اللغة العربية والانجليزية هما اللغتان الدارجتان بينما هنا اللغة العبرية الى جانب العربية ، ما يشكل صعوبة بالنسبة لي .
( التقرير مقتبس عن صحيفة بانوراما )