لا يُقتل الإنسان بالحروب والزلازل والعواصف فقط بل بسلبيات المنتج الحضاري الحديث عندما تحول الإنسان إلى وعاء تحقن به كل وسائل المعامل الكيماوية..
فالمنظفات والمياه، والملابس، وأحبار الجرائد، وما تنفثه عوادم السيارات ووسائل النقل المختلفة، طائرات، وقطارات، وحتى ما نتناوله من خضروات وفاكهة، وألبان، وما يلعب به أطفالنا، وأواني مطابخنا صار يدخل في مكوّنها الأساسي عنصر الكيمياء..
الإحصائيات تشير إلى تزايد أمراض السرطان والسكري، والضغط، وأمراض حديثة لم تدخل السجل التاريخي للقوائم المعروفة مثل الإيدز وضعف مقاومة الإنسان وانتشار أوبئة قد تعصف بالعالم مثل أنفلونزا الطيور، والأسباب المجهولة لنفوق الأسماك والحيتان وفي بيئة أعلن العلماء موتها بما هو أقل من عمر الأرض في سنواتها الماضية..
في المملكة دخلنا المعركة بمخاطر جديدة، زادت السمنة بين أطفالنا ونسائنا، وتضاعفت أعداد من يدخلون المصحات النفسية، وقيل إن تكاليف معالجة المرضى ستسجل أكبر المعدلات في تاريخنا، إذا ما استمر النظام الغذائي والتلوث وعدم ممارسة الرياضة، بأن نكون مجتمع المرضى، رغم تزايد نسب المواليد التي تكاثرت فيهم أمراض التوحد، والتشوهات الخلقية، وأن ما نشهده ونقرأه من نمو للجريمة في أوساطنا نتيجة تعاطي المخدرات أو نواقص التربية، والقهر الاجتماعي بسبب اختفاء الطبقة الوسطى وبروز الأغنياء في مواجهة الفقراء، واكتظاظ المدن التي ولدت أحياءً عشوائية صارت أوكاراً لمخالفة النظم والشرائع، تجعلنا نفرك أعيننا لنطل على عالمنا الواقعي الذي يستحيل أن نتركه يتفاعل دون علاج جذري..
فالدراسات الميدانية التي تقوم عليها الخطط الاستراتيجية للمجتمع اقتصادياً وتربوياً، وجميع ما يتعلق بصحة وسلامة الإنسان، لا تزال في مراقدها القديمة تنام خلف النظم التي عرقلت علماء النفس، والاجتماع وعلماء الجريمة بأشكالها المختلفة وانعكاساتها السلبية، أن تظهر معلنة الحقيقة بنسب الوفيات سواء جاءت من الأمراض الحديثة، أو الحوادث المختلفة، وكذلك حقيقة أوضاعنا الأسرية الطلاق، والانحرافات الأخلاقية، والمحسوبيات عند التوظيف والفرص المتاحة والرشوة، والفساد الإداري، والتسرب من المدرسة والجامعة، ونسب الفقراء للأغنياء حتى نستطيع تصحيح أخطائنا وحتى لا نقول إننا مجتمع الفضيلة بوجود السلبيات..