مثقفونا ..... وتعاسة الغرب
ان احد الاسباب الرئيسية لافتقادنا السعادة تأثرنا بمفاهيم وعقائد وعادات غربية ضارة، فكما استوردنا أشياء كثيرة مفيدة من الغرب وخاصة في مجال التكنولوجي فكذلك استوردنا كثيرا من الشقاء لاننا قلدنا الانسان الغربي في كثير من أهدافه وعقائده وأخلاقه ونظمه التعليمية واستيراد الشقاء الغربي يرجع إلى أننا كشعوب وأفراد أرهقنا تخلفنا السياسي والتكنولوجي والاداري فتنكرنا لكل ما عندنا من خير وشر وسحرتنا الحضارة الغربية فاصبح المثقف في نظرنا هو من يتكلم بلغة الغرب ويستشهد بأقواله ويعرف ثقافته واصبحت المراة المثقفة والمتحضرة هي التي تتابع الموضة وتعرف الماركات العالمية في الملابس والاحذية والعطور وهي التي زارت أو تحلم بزيارة لندن وباريس. نفعل كل هذا وغيره لاننا نعتقد أن الانسان الغربي سعيد ومتحضر فهل هو كذلك؟ وهل الحضارة الغربية حضارة راقية؟ قبل الإجابة على هذا السؤال نقول ان انتقادنا حضارة الغرب لا يتضمن بصورة مباشرة أو غير مباشرة تبريراً أو رضى عن واقعنا، فواقعنا له ايجابياته وسلبياته وهو ليس موضوع نقاشنا في هذا المقال كما ان ذكر تخلف الغرب في مجالات ليس معناه أن الغرب لم يحقق التقدم والتطور في مجالات اخرى، فلا شك أن الغرب متقدم جدا في مجالات الصناعة والزراعة والطب والسياحة وغير ذلك والادلة التي تبين تخلف الغرب وشقائه كثيرة نذكر منها:
(1) تبين الاحصائيات أن الحضارة الغربية حضارة متخلفة وإليكم ما تقوله هذه الاحصائيات:
( أ ) بلغ عدد جرائم القتل في الولايات المتحدة سنة 1986 – 19.526 جريمة قتل أي 100 جريمة لكل مليون أما في الكويت فكانت هناك 19 جريمة قتل 1986 أي 10 لكل مليون.
(ب) بلغت عدد الجرائم في أمريكا في سنة 1986 حوالي عشرة ملايين جريمة أي ما يعادل حوالي 5% من عدد السكان ارتكبوا جرائم في حين أن عدد الجرائم في الكويت في 1987 كان 11.171 جريمة أي ما يعادل 0.6% من عدد السكان أي أن معدل الجرائم في الولايات المتحدة هو ثمان أضعاف معدلها في الكويت.
(حـ) نسبة حالات الطلاق إلى الزواج في الولايات المتحدة في سنة 1986 هي 48% في حين أنها في مصر 18% في سنة 1984 أما في الكويت فكانت النسبة 27% في سنة 1987.
( د ) سجلت سنة 1986 في أمريكا 72.626 جريمة اغتصاب وحصلت حوالي سبعمائة الف جريمة تعاطي المخدرات وبلغت حالات الإجهاض في سنة 1983 1.574.000 (مليون وخمسمائة وأربع وسبعون ألف) أما عدد الأطفال غير الشرعيين فكان سنة 1985- 828.200 طفل (ثمانمائة وثمانية وعشرون ألف ومائتا طفل) وهؤلاء يشكلون 22% من المواليد في تلك السنة في حين نسبة الاطفال غير الشرعيين في سنة 1960 كانت 5.3% ولا شك أن الفرق شاسع بين الولايات المتحدة والوطن العربي في احصائيات جرائم الاغتصاب والايدز والمخدرات والابناء غير الشرعيين، وهذه الاحصائيات تبين بوضوح أن عالمنا العربي أكثر تقدما في الجانب الاجتماعي مقارنة مع الغرب فكيف لو تمسكنا أكثر بالأسلام؟!
(2) ان الغرب لا يعرف هل الله واحد أو ثلاثة ولا يعرف صفات الله، ولا الهدف من خلق الإنسان ولا أين يذهب من يموت من البشر ولا يعرف الصواب من الخطأ في قصص الانبياء فهم لديهم معلومات كثيرة وحقائق قليلة ولديهم ثقافة لا علم قال تعالى "يعلمون ظاهراً من الحياة وهم عن الأخرة غافلون" (7) سورة الروم. وهذا الضياع جعل عقائد الغرب متناقضة كالرأسمالية والشيوعية والعلمانية والفلسفات القديمة والحيثة وما أكثر فلاسفتهم ومفكروهم الذين يتباهون بهم، فطالما سمعنا عن سقراط وهو احد أكبر فلاسفتهم والذي قال "انني جاهل وأعرف إني جاهل وأما هم فجهلة ويجهلون أنهم يجهلون" ( ) وسقراط صادق في قوله فهو يعترف أنه احتار في فهم الكون والإنسان وحكماء الغرب الحاليون على شاكلة حكيم اليونان وفيلسوفها قديما فأقوالهم يختلط فيها الحق بالباطل والصواب بالخطأ أما علمؤنا فهم يعلمون ويعلمون أنهم يعلمون وعلى رأسهم الرسول صلى الله عليه وسلم وابن عباس والشافعي وابن حنبل وابن تيمية وغيرهم كثيرون قال رسول الله صلى الله علية وسلم "فوالله أني لأعلمهم بالله واشدهم له خشية" ( ).
(3) تجعل الحضارة الغربية المال في رأس إهتماماتها وأهدافها ونشاطها وتفكيرها ولهذا فحضارتهم حضارة مادية أو رأسالمية، ودول هذه الحضارة على استعداد لان تشعل الحروب وتضطهد الشعوب وتدبر الانقلاب من أجل الحفاظ على مصالحها المادية، والدول الغربية هي الدول الاستعمارية خلال القرون الثلاثة الماضية. ولا تزال دولهم لا تطبق العدل والمساواة والحرية عندما تتعارض مع مصالحهم الاقتصادية وتاريخ الاستعمار فيه الكثير من الادلة على جرائم الغرب، فقد أعادوا عهود الرقيق وساندوا الانظمة العنصرية واستنزفوا الثروات وأشعلوا الفتن والحروب وقتلوا الاحرار وعذبوهم فأين هم من العدل والمساواة والحرية؟ وعندما يقتصر العدل على شعب أو أمة ويمنع عن البقية فهذا دليل تخلف وليس معنى قولنا هذا أنه لا توجد جوانب إنسانية في الغرب بل توجد ولكن الاولوية تعطي للمصالح وليس للمبادئ فالمال أعمى بصائرهم قال جون جونز في كتابه في داخل أوربا " ان الانجليز يعبدون بنك انجلترا ستة أيام في الأسبوع ويتوجهون في اليوم السابع إلى الكنيسة" ( ) ومن قلد الغرب في مناهجه أصيب ببعض شقائه وتخلفه قال محمد اقبال "مسلمون ولكن عقولهم تطوف حول الاصنام، ان الافرنج قد قتلوه من غير حرب وضرب عقول وقحة، وقلوب قاسية، وعيون لا تعف عن المحارم، وقلوب لا تذوب بالقوراع، كل ما عندهم من علم وفن ودين وسياسة، وعقل وقلب، يطوف حول الماديات قلوبهم لا تتلقى الخواطر المتجددة وأفكارهم لا تساوي شيئاً حياتهم جامدة، واقفة، متعطلة" ( ).
(4) من الامور المعروفة أن النظافة دليل تقدم وأن القذراة دليل تخلف ونظافة الاجسام عندنا واجب شرعي وعند الغرب كانت ولا زالت قناعات شخصية وقبل قرون قليلة فقط كان الانجليز نادرا ما يستحمون في حين أن المسلمين الملتزمين ومنذ أربعة عشر قرنا يستحمون على الاقل كل اسبوع مرة ولو قارنا بين أحكام الاسلام واحكام الغرب في الزواج والطلاق والاخلاق وبر الوالدين والبيع والربا والخمر وغير ذلك لاتضحت جوانب من تقدمنا وتخلفهم فاحكام الطلاق تتغير عندهم باستمرار فقد كان الطلاق محرما الا في حالات نادرة فلما إكتشفوا ضرر ذلك اباحوه واختلفوا في احكامه والحقوق المترتبة عليه وتخلف الغرب في الاحكام شئ طبيعي وذلك لان احكامهم وضعية تصيب في جوانب وتخطي في جوانب أخرى في حين ان احكام الاسلام شرعها الله سبحانه وتعالى وهو يعرف النفس البشرية وما يناسبها قال تعالى "الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" (14) سورة الملك وقد لا يشعر البعض بتقدمنا أو بتخلف الغرب وذلك لأن الغرب نجح نجاحاً كبيرا باعلامه الذكي في اظهار عيوبنا وأخطأئنا وفي ستر عيوبه وأخطائه فهو يتهمنا بالهمجية حتى لو أعدمنا مجرما واحدا في حين أن ضحايا الحرب العالمية الثانية كانوا أكثر من أربعين مليونا اغلبهم من المدنين، فمن الهمجي؟ وليت الغرب يشرح لنا كيف تم اقتسام الشعوب والاراضي بين الحلفاء بعد انتصارهم في هذه الحرب؟ أليس من النفاق انه في نفس الوقت الذي كان يتم فيه توزيع "الغنائم" كان يتم إنشاء هيئة الأمم المتحدة كأن الغرب حريص فعلا على العدل والحرية وعموما فان تخلف الغرب واضح في ظلمه وشرائعه واخلاقه ، ولكن هناك من لا يريد أن يراه، وتكاد تكون الحريات ودور الشعب في الحكم هما المجالين الذين حقق فيهما الغرب نجاحاً كبيراً فكراً وممارسة.
(5) عدد الابناء المجهولي الأب أو الوالدين في الغرب عدد كبير ولا يشفع للغرب أن يوفر لهؤلاء الأطفال حضانات، فحنان الأم لا يعوضه أي شئ وقيم الغرب وعقائده واهدافه حطمت الكثير من الأسر، ودعونا نتأمل صورة ونفسية طفل لا يعرف أمه او ابيه أو كليهما، كم ارتكب المجتمع بحق هذا الطفل البرئ من جرائم ومن قال أن الانسان حر في أن يمارس الجنس ثم يلقي نتيجة لذته في الشارع ليضيع طفل رضيع ان مثل هذا الانسان رجلا أو أمراة يرتكب جريمة من اكبر الجرائم في حق الانسانية لانه سلب من طفل رضيع حق أن تكون له أم وأب واخوة وأسرة، وقارنوا هذا الوضع باطفال الامة الاسلامية الذين يعيشون مع اسرهم وفي كل الاحوال يعرفون اباءهم وأمهاتهم وما أعدل واحكم قوانين الشريعة الإسلامية التي تنصفنا أطفالاً ورجالا ونساءا وتعلمنا حدود الحريات الصحيحة.
(6) قدمت الحضارة الغربية الكثير للمراة فقد فتحت لها المدارس والجامعات وشجعتها على العمل وأعطتها الحرية في اختيار الزوج، ولكنها من ناحية اخرى اضرت المرأة، فقد فككت الاسرة والتي تعتبر مملكة المرأة وازهدت الناس في الزواج، واستسهلت الطلاق، وضيعت حقوق الام، فلا يرى الابناء حقوقا عظيمة لامهم وقد لا يذكرونها الا في أعياد الميلاد ويتركونها للوحدة ومن يعرف حنان الأم وعطاءها يعرف كم هي قاسية هذه الحضارة التي لا تعرف للام حقوقا عظيمة وظلمت الحضارة الغربية المرأة عندما استغلت جمالها الجسدي أسوأ استغلال فدور المرأة في كثير من الأفلام لا يزيد عن دور جنسي والرجل الغربي يجد الباب مفتوحاً أمامه لإقامة عشرات العلاقات الجنسية دون أن يتحمل أي تكاليف أو مسئوليات قانونية، وعندما يذبل جمال المرأة تكسد في سوق الرجال وتعيش وحيدة منبوذة أما في شريعتنا فلا يسمح إطلاقا للرجل بإقامة علاقة جنسية إلا ضمن إطار الزواج الذي يلزم الرجل بمهر ومسكن ومصاريف وما يترتب على هذا الزواج من أبناء بينما المرأة الغربية وباسم الحرية المزورة تفقد كل هذه الحقوق فالفرق شاسع بين رابطة زوجية ورابطة شيطانية واختيار الرجل للمرأة كزوجة معناه الاحترام والحب والاقتناع فقد اختار شريكة لحياته وأما لأبنائه واختيار للمرأة كعشيقة هو اختيار لجسد يلهو به ولا يحترم صاحبته ولا يراها أهلا لأن تحمل اسمه أو تكون أما لأبنائه والحضارة التي تسمح قانونا وعرفا بأن تكون المرأة جسدا بلا كرامة هي حضارة متخلفة لانها تخالف القيم الانسانية السامية التي تدعو لها جميع الاديان السماوية. بعد هذه الادلة الواضحة على تخلف الغرب وتعاسته والتي تثبت أن الحضارة الغربية ليست حضارة راقية وبالتالي لا تصلح لان تكون مثلاً يحتذى أو نموذجا يقلد. نقول رحم الله أحمد شوقي الذي لخص جزءاً هاما من الرقي الحضاري في قوله:
وإنما الامم الاخلاق ما بقيت فان همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا وما يحز في النفس أن نجد بعض مثقفينا لا يزالون يقلدون الغرب في عقائده وفلسفته وعاداته ويظنون أن ديننا هو سبب تخلفنا، وهم لا يعرفون من ديننا إلا القليل ولا يعرفون ما كتب علماؤنا وليتهم تعلموا من الغرب كيف نزرع ونحصد ونصنع ونبحث ونخطط ولكنهم فشلوا في أغلب هذا ولم يأخذوا من الغرب الا تخلفه الفكري ونهمس بإذن هؤلاء وحجم التخلف الهائل الذي نعيشه يرهقنا ونقول المثل المصري (( جيتك يا عبدالمعين تعين لقيتك يا عبدالمعين تنعان)).
ونقول: المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار