يتعرض المواطن العربي لعدد متزايد من القنوات الفضائية الأجنبية الناطقة باللغة العربية. فهناك الحرة الأمريكية، وفرنسا 24، وروسيا اليوم، ودوتشيه فيليه الألمانية، وقنال 7 التركية، والعالم الإيرانية، و يورو نيوز التابعة للاتحاد الأوروبي . بل حتى الصين البعيدة تدرس إطلاق قناة فضائية تخاطب العرب. وكوريا الجنوبية هي الأخرى لم تنس أن تدعو نفسها إلى الحفلة بفضائية أرارنج العربية. وليست إسرائيل ببعيدة عن هذا الهوس، فقد أطلقت قبل أشهرٍ قناة خاصة باللغة العربية موجهة إلى "قطاع غزة".
وتستعد البي بي سي البريطانية لإطلاق محطتها الإخبارية نهاية هذا العام، بعد فشل مشروعها الأول في الدوحة في عام 1996 ، فالتقطته قطر وأطلقت قناة الجزيرة. وما زال البريطانيون يعضون أصابع الندم على انهيار مشروعهم الإعلامي العربي، واختطاف أبرز مذيعيهم العرب. والجزيرة في أول 2007 ، دشنت أكبر قناة عربية عالمية باللغة الإنجليزية. وهذا ما يملأ الإنجليز غيظاً. فالتلميذ الصغير تفوق على أستاذه بل وينافسه بلغته.
جميع هذه القنوات المذكورة إخبارية في الغالب. وهي أدوات لحكوماتها وتُدعم بميزانيات ضخمة
(الميزانية السنوية لقناة الحرة 750 مليون سنوياً). والهدف ليس إغناء المشاهد العربي بوجهات النظر الإعلامية المتعددة. بل يقف وراء هذه المشاريع الإعلامية عددٌ من الأهداف الإستراتيجية والسياسية والدعائية. وهي بديل تكنولوجي عن الإذاعات، بعد تراجع نسب الاستماع دولياً وتصاعد أرقام مشاهدي التلفزيون بنسب عالية. وكل الدول المذكورة أيضاً لها مصالحها الحيوية في المنطقة. وتكاد تكون جميعها متفقة على هدف واحد هو تغيير شخصية المواطن العربي، وإعادة تشكيل عقليته، ليخدم على المدى البعيد مصلحة الدولة صاحبة الفضائية، سواء كانت المصلحة سياسية أو اقتصادية أو مخابراتية أو مذهبية .
كما يكشف تعدد هذه الفضائيات صراعاً بين الدول الكبرى والإقليمية على وعي شعوب المنطقة، والتحكم في استقرار الحكومات، ومحاولة لبسط وتأكيد النفوذ، وأحيانا تعميق الإحساس بالفجوة العلمية والحضارية بين هذه الدول الغنية من جهة وبين واقع الشعوب العربية. كما تقوم بعض الفضائيات بتلميع قيادات وأقليات في المجتمعات العربية على حساب أخرى. ويقوم بعضها بتكريس حال الانقسام والتفتيت الداخلي. في حين تأكد قيام مراسلي بعض هذه القنوات بدور استخباري صرف تحت غطاء المتابعة الإخبارية، خصوصاً في دول الخليج ذات الأهمية الاستراتيجية لكل القوى العالمية والإقليمية.
في نفس الوقت، يمكن ملاحظة تنامي عدد كبير من القنوات المعادية للعرب عرقياً أو دينياً. فهناك قنوات كردية تكتب حروفها باللغات الأجنبية بدلاً من العربية. وذلك في إشارة لفصل العلاقة الثقافية والروحية بين الشعوب العربية وبين الأخوة الأكراد المستمرة منذ قرون. وهناك فضائيات تنصيرية ومذهبية ناطقة باللغة العربية. أما قنوات الجنس والإباحية فقد تم دبلجة أكثر من عشرين فضائية إلى العربية لتضرب في صميم البناء الأخلاقي والمرجعية القيمية للمجتمعات العربية والإسلامية..
أما الدول العربية والمستثمرون العرب، باستثناء تجربة الجزيرة الرائدة، فبدلاً من مواجهة التحدي الإعلامي بتحدٍ مماثلٍ فقد جاء الرد ليعكس الحال المفزع الذي تعيشه الأمة. وصار الهجوم المضاد بافتتاح قنوات الغناء والرقص والسحر والشعوذة والتخلف العقلي والحضاري المخزي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عدنان أبو مطيع (المصريون)
منقوله