قال : مَـرّت من أمامي وهي في كامل زينتها .
قلبه : من هي ؟!
قال : بنت جميلة ! ألا ترى !!
قلبه : ليس هذا غِذائي .
قال : غِذائك !!!
قلبه : نعم ... فأنا أحتاج إلى الغِذاء كباقي أعضائك, بل أنا أهَم منهم ، فإنهم بي يأتمرون وبصلاحي ينصلحون ....
قال(مقاطعاً) : أسألك عن غِذائك ؟!!
قلبه : غِذائي ...... ! هذا موضوع يطول شرحه ........ وقد لا تلحق بالبنت الجميلة !
قال : لا تقلق ... إنهن كثيرات ، لا يخلو منهن شارع ولا تخلو منهن ساعة ... فتكلّم أنا أسمع .
قلبه : يااااه ... كم وددت أن تأتي هذه اللحظة ....... لعلّها تكون سبب سعادتي .
قال : سعادتك !!! وهل أنت تعيس أصلاً ؟! ... كل هذه الدنيا الجميلة والبنات الفاتنات و .....
قلبه(مقاطعاً) : قلت لك ليس هذا غِذائي .
قال : للمرّة الثانية تذكر هذه الكلمة التي لا أفهمها !
قلبه : سأوضح لك .... لكن أرجوك لا تقاطعني ، فإنها قد تكون أوّل مرّة تسمع فيها هذا الكلام .
قال(متعجّباً) : حاضر .... تفضّل !
قلبه : لقد خلقك الله من شيئين ، الأول: قبضة من طين ، والثاني: نفخة من روح ..... وكلاهما له غذائه الخاص به ... فالجسد الذي هو من طين يحتاج إلى غذاء من نفس جِنسه ، أي من طين أيضاً ، فأنت تلاحظ أن نموّ جسدك يعتمد على المأكولات التي هي في الأصل من الأرض .
قال : هذا صحيح ، ولكن ما علاقتك أنت بالأكل والشرب ؟! فهل القلب يأكل ؟!!
قلبه (مكملاً حديثه) : أمّا الروح التي هي نصفك الآخر فلها غِذاء من جِنسِها . فبما أنها -أي الروح- من أمر الله فإنها تحتاج إلى غِذاء من عند الله أيضاً ، فإن أهملت غِذائها فإنها بالطبع تضعف .... وتضعف .... ثم تمرض ... ثم ......... تموت . فيصير الجسد كالقبر لهذه الروح والعياذ بالله ..... فكم من أناسٍ ماتت قلوبهم بداخل صدورهم حتى أنْتَنَت وتعفّنت وخرجت رائحتها المتمثّلة في المعاصي واتِّباع الشهوات !!
قال : ياااااااه ..... أنا فعلاً أول مرة أسمع هذا الكلام !! واضح أن الأمر خطير ... وأنك حزين .
قلبه (متألماً) : وأيّ حزن ........... إنني أشعر بالجوع منذ سنوات ، وكلّما هتفت وناديت عليك لتنجدني ....... غَذّيتني بالمعاصي والشهوات ، فألتَهِي بها حيناً ثم أفيق أسوأ مما كنت ولم أجد حاجتي .
قال : نعم واللهِ .... إني لأشعر فعلاً بجوعٍ وفراغٍ بداخلي ...... ولكني أحاول إخماده بأن أزيد من معرفة البنات وسماع الأغنيات والجري وراء السهرات و..... والجوع يذهب قليلاً ولكن .......... سريعاً ما يعود !!! أنــــا تـــعـــبـــت .
قلبه : بل أنا الذي تعبت من هذه السموم التي تلهيني فيها ...... فأنت والله تفعل تماماً كالذي يتعاطى المخدرات .
قال : مــــخـــدرات ؟؟!!!
قلبه : نـــعـــم .... مخدرات ، فالمدمن كلّما أحس بالجوع في روحه تعاطى المخدرات ليسكتها ، فتسكت . ولكنها بهذا قد تَـسَـمّـمَـت أكثر .... ثم لا يلبث قليلاً إلا وقد ذهب مفعول المخدِّر ........ فتعاوِد نفسه الطلب وتلحّ عليه أكثر من المرة الأولى ، فيحاول أن يسكتها ولكن بكمية أكبر من المخدرات ، ولا يعلم المسكين أنها لن تسكت أبداً وأن هذا هو عين هلاكها وأنها ما إن تفيق حتى تطلب و تطلب و تطلب حتى تهلك ...... و يهلك .
وهذا بالضبط ما تفعله أنت مع المعاصي والنظر إلى النساء واتباع الشهوات . قال الله عز وجل : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) فلقد شبّه الله حال قوم لوط في شهوتهم وكأنهم سكارى .... فهذا هو سكْر الشهوة ...... يتعاطونها حتى إذا قضوا منها وَطَرا ...... سكنت نفوسهم قليلاً ..... ثم تراودهم ..... فيتعاطون ..... تراودهم فيتعاطون ..... ثم .............. جعل الله عــــالــيــها ســــافــلهـــا وأمطر عليهم حجارة من سِجِّيلٍ مَنْضود مسَوّمَة عند ربِّك وما هيَ من الظالمين ببعــيــد .
قال (باكياً) : كـــــفـــــى ... كــــــفــــــى .........................
قلبه : نــعــم ............ ابــــــكِ ............ اغسل عينيك مما رأيت ورأيت .
قال : عرفت الآن ....... عرفت الآن سرّ شقاوتي ........ عرفت الآن سرّ هذا الشعور المَقيت .......... أريد أن أنَقِّي سريرتي ... أريد أن أطهّر قلبي ..... أريد أن ........ أريد أن أعطيك غِذائك .
قلبه (مسروراً) : أخيراً ... أخيرا عرفت الحقيقة ...... أخيراً ندمت على ما فعلت !
قال : نعم ... نعم والله لقد ندمت ...... ندمت وتبت إلى مولاي .... لك الحمد يا ربي .... لك الحمد .
قلبه : الآن وقد عرفت ، فماذا أنت فاعل ؟
قال : مبدئيا ، قرّرت ..... بل عزمت على ألاّ أعود لهذه المسكرات التي تسمّى المعاصي والشهوات ، ولــكـــن ........ أنت تعلم أنه ليس لي أي خِبرة في هذا الغِذاء الروحي الذي ينفعني !! فهلاّ أخبرتني بما يصلحك كي أفعله وما يفسدك كي أتجنبه ؟؟
قلبه : أولاً: استعن بالله ، فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ، فهو الوحيد القادر أن يحَوّل قلبك من حب الشهوات إلى حب الطاعات . ثانياً: بعد أن أقلعت عن المعاصي فبادر بفعل الحسنات لتمحو بها السيئات (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ) . ثالثاً: دع كل الأشخاص الذين يذكرونك بالمعصية ... اهجرهم في الله .... اتركهم ..... اهرب منهم ... فإنهم هم سبب نكوصك على عقبيك ، ولا تقل أدعوهم ! أنت الآن أضعف من ذلك . رابعاً: الـــــصـــــلاة ... الـــــصـــــلاة ... بادر الى الصلاة واسجد لخالقك ومولاك وصاحب الفضل عليك ، وابك له كي يثبّتك . خامساً وهو أهم شيء : تَـعَـلَّـم ديـــنـك .
قال : كــيــف أتــعــلّــم ؟ وأيــن ؟
قلبه : في بيوت الله ...هناك .... ففي بيوت الله أنت لن تـُـعْـدَمَ خيراً ..... فإما أن تتعرّف على أحد الصالحين .... وإما أن تسمع آية تؤثّر فيك وتدمع لها عيناك .... أو يغفر الله لك ، فهُمُ القوم لا يشقى بهم جليسهم .
قال: نـــعـــم ................ هُمُ القوم لا يشقى بهم جليسهم ............ هُمُ القوم لا يشقى بهم جليسهم .
قال الشيطان (فزعاًً) : إلــــى أيـــــن أنــــت ذاهـــــب ؟؟؟!!!
قال : إلى بيت الله ...... إلى المسجد .
قال الشيطان : وشــــبــــابــــك !!!!!
قال :
ذهب الشباب فما له من عـــودة ............. وأتى المشيب فأين منه المهرَبُ
دع عنك ما قد فات من زمن الصبا ............. واذكر ذنوبـك وابكهـا يا مــذنــــبُ
واخشى مناقشة الحساب فإنـه ............. لابـد يُـحـصَى ما جنيـت و يُكتَـــبُ
لم ينسه الملـكـان حيـن نسيـتـه ............. بـــــل أثـبــتـاه وأنــت لاهٍ تـلـعــبُ
والـروح فـيـك وديـعـة أُودَعْـتَـهـَــا ............. سترُدّها بالرّغـم مـنـك وتُـسْـلَـبُ
وغـرور دنياك التي تسعـى لـهــا ............. دار حـقـيـقـتـهـا مــتــاع يـذهـــبُ
وجميـع ما حـصـلـتـه و جـمـعـتـه ............. حقـاً يـقينـاً بعد مـوتــك يُــنــهَــبُ
تـــبــاً لـــدارٍ لا يــدوم نـعـيـمــهــا ............. ومُـشَيِّـدها عـمّـا قـلـيـل يَــخْــرَبُ
أتمنى يكون مانقلته لكم قد نال اعجابكم وان يكون فيه الفائدة لى ولكم ولنحاول أن نغذى أرواحنا دائما
" اللهم أعنا على حسن طاعتك وترك معصيتك " انك ولى ذلك وأنت القادر عليه
منقوووووووووووووووول